أمزيان جمال: انتفاضة خريف الغضب 58-59 والبحث التاريخي (التدوين)

20 أكتوبر 2024
مصدر الصورة: وثائقي كسر الصمت - طارق الإدريس
مصدر الصورة: وثائقي كسر الصمت - طارق الإدريس
جمال أمزيان
جمال أمزيان

أقف في البداية عند عبارتين خفيفتين على اللسان والنطق، ثقيلتين من حيث الحمولة والدلالات اللغوية والاصطلاحية، وقد وردتا في مداخلات الزملاء في الأسبوع الماضي. وانطلاقا منهما، إلى جانب تيمة الندوة السابقة، سأحاول بناء نص مداخلتي اليوم. 

هاتان العبارتان هما: إعادة كتابة تاريخ البلد، سواء على المستوى الوطني، أو الجهوي أو المحلي، وهو عمل ضروري وواجب وليس مستحبا فقط، حتى نتمكن من فهم واستيعاب ما حدث ونعي انعكاساته على الحاضر وندرك مدى حضوره في فعلنا اليوم في مختلف المجالات.

والعبارة الثانية التي تختلف دلالاتها الاصطلاحية حسب غايات وسياقات التوظيف والمجالات والفترة الزمنية، وهي عبارة “الصعود إلى الجبل”.

فلنتساءل، وهذا يحق للجميع: ما علاقة هاتين التيمتين بموضوع الندوة المنضمة بمناسبة الذكرة 29 لرحيل القائد محمد سلام أمزيان، قائد انتفاضة ريف أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، والتي مر على مجرياتها زهاء 66 سنة.

1 – إعادة كتابة التاريخ

لا أحد يجادل في أن تاريخ البلد عامة وبعض مناطقه، إن لم نقل جلها هو تاريخ رسمي، مبتور، تتخلله فراغات وبياضات كثيرة، إما لإرادة ما، أو لضعف أهميتها في ما جرى من وقائع وأحداث، وهو تاريخ غير مجتمعي. هذه القضية تشكل قاسما مشتركا لدى الجميع، سواء المتخصصون أو المهتمون فقط، والكل ينادي بها في مختلف التدخلات والمنتديات والمحافل، ويدعون إلى ضرورة تطوير المناهج العلمية في البحث التاريخي وتنويع مصادره وتجديد الكتابة التاريخية لتجاوز المدارس التقليدية، وأن لا يقتصر البحث التاريخي على ما يسمى بالوثيقة الرسمية فقط.

وتماشيا مع دعوة الأستاذ عبد المجيد أزرياح إلى أهمية إعادة كتابة التاريخ، وإلى ضرورة الأخذ بالرواية الشفوية كمصدر للتأريخ، سأقتصر اليوم على منطقة بالريف الأوسط لعبت دورا هاما خلال خمسينيات القرن الماضي، وشكل مجالها فضاء لوقائع وأحداث كانت فيصلا في التاريخ المعاصر للمغرب عموما وللريف على وجه الخصوص، ألا وهي المنطقة الجنوبية من هذا الريف، وهي منطقة أربعاء توريرت وما يجاورها من مرتفعات مطلة على منخفض النكور، “تورابورا الريف”.  المنطقة التي كانت مسرحا في فض النزاع الموحدي المريني فيما عرف لدى الإخباريين بعام المشعلة خلال العصر الوسيط. المنطقة التي جعلها دايفيد هارت المحطة الأولى في دراساته حول قبيلة أيث ورياغر، واعتبرها عمق الريف الأوسط وأصل القبيلة بأكملها. المنطقة التي شكلت الجبهة الممانعة القوية لمحاولة التغلغل الإسباني بالاستمالة قبل بداية عمليات المقاومة العسكرية.

تصفحت الكثير مما كُتب، كتُبٌ عامة وخاصة، مقالات، مذكرات لفاعلين سياسيين وعسكريين وعلماء ومهتمين سعوا إلى التأريخ لأهم حدث في تاريخ المغرب المعاصر، وشكل الفيصل بين مغرب محتل ومغرب حر، وأعني بذلك جيش التحرير، الجيش الذي تجمع جل الكتابات على أنه ظهر بقبيلة كزناية، هذه القبيلة الواقعة جنوب الريف الأوسط وبالخصوص قبيلة أيث ورياغر، ومن هذه القبيلة منطقة أربعاء توريرت، لكن في كل هذه الكتابات لا حديث عن هذه المنطقة. فلماذا؟ أهو فعل مقصود متعمد؟ أم أنه لم يحن الوقت بعد للاهتمام بالتأريخ لها؟ ومن يمكن له القيام بهذا البحث إذا أخذنا بعين الاعتبار عزوف أهلها وجيرانهم عن ذلك، وبالأحرى البعيدون منها.

خلال الاكتساح الإسباني في عشرينيات القرن الماضي، كانت منطقة أربعاء توريرت من أواخر المناطق في الريف التي تمت السيطرة عليها، كما كانت ملجأ وملاذا للأسر والعائلات الفارة من بواطنها المقنبلة أو المحتلة من طرف الإسبان. والسبب في هذا الاختيار ما تتميز به هذه المنطقة من حيث طابعها الجبلي وكثرة الخوانق وصعوبة التنقل في أرجائها وانتشار غطاء غابوي كثيف. وبالطبع هي عوامل قد توفر نوعا من الحماية، ولو أنها لا تصمد كثيرا أمام العتاد والعدة العسكرية من طائرات ومنطادات وقوات مدججة بالأسلحة.

بعد السيطرة الإسبانية لعبت هذه المنطقة دور الوسيط وكمحطة عبور بين المنطقة الإسبانية الخليفية والمنطقة السلطانية في اتجاه تازة وفاس. وبذلك فقد كان سوق أربعا توريرت فضاء للتبادل التجاري، وكذا لنشر الأخبار والتجسس وملتقى قبائل بدواويريها، والمختلفة إثنيا ولغويا وعادات وتقاليد: أيث ورياغر، إكزناين، وأيث توزين.

حينما تقرر لدى بعض أفراد من قبيلة كزناية، حسب ما يشار إلى ذلك في بعض المصادر، والاتفاق على أن وقت المقاومة للاحتلال الفرنسي قد حان، كان لابد من التفكير في تأمين الأسر والعائلات قبل أي عمل مسلح ضد الفرنسيين، والذي قد تكون له عواقب وخيمة على الأهل. وبالطبع فأقرب منطقة إليهم هي مجال شقران وسيدي بوخيار وأسور وإزاثيمن وأصموذ وأيث عروس وأيث جوهرة والرواضي، وهي جزء من أيث بوخرف، وتيزمورين وبوعلما، وكلها تابعة بشكل أو بآخر لمنطقة أربعاء توريرت التي ستسمى بـ “دار الهجرة”، تيمنا بهجرة الرسول (ص) عليه وسلم من مكة إلى المدينة، ولهم فيها معارف وأصدقاء يلتقون في سوقها أسبوعيا، وستوفر الحماية لعوائلهم. في ظل هذه الظروف سيلعب محمد سلام أمزيان دورا مهما في توطين عدد مهم من تلك الأسر، والتي سيتم توزيعها على دور ومساكن المنطقة، وسيسعى إلى التشجيع على استقبالها وتأمين حاجياتها. وكان بيته الذي بناه جوار السوق، والذي تحول إلى أنقاض في الوقت الحالي، بل سيطر عليه أحدهم وعلى ما جاوره من أراضي، وهذا الأمر هو بمثابة جزاء لصاحب المنزل ورد الجميل، قلت كان بمثابة خلية نحل يُستقبل فيه الرقاصون والرسل الوافدون والغادون من وإلى مختلف الجهات.

من هذا المنزل، وفي أواخر خمسينيات القرن الماضي، أثناء ما يمكن وصفه بخريف الغضب الريفي، انطلق موكب يتضمن القائد محمد سلام أمزيان وبعض الأفراد المخلصين نحو أجدير كزناية الذي كان يغلي بمناسبة الذكرى الثانية لانطلاق عمليات جيش التحرير. وكان الهدف من هذه الزيارة هو السعي إلى إطلاق سراح بعض الورياغليين الذين اعتقلوا هناك. وهذا موضوع شائك يتطلب وقتا كبيرا لشرحه بشكل وافٍ.

وعلى بعد حوالي ثلاث كيلومترات من هذا السوق، وفي موقع يدعى أزمور، عند ملتقى ثراث أوعيذا ذكاكار وثراث ن رواضي أتزمورين، ولدت انتفاضة الريف و”صعد القوم إلى الجبال”.

وعن سوق أربعاء توريرت في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، وبعيد الاستقلال، يقول القائد محمد سلام أمزيان ما يلي:

“كان السوق خليطا من مواطنين ومهاجرين ولاجئين وحزبيين وجواسيس وعملاء الاستعمار والأحزاب السياسية وجيش التحرير، ومن حمير وبغال وجمال وكلاب وحيوانات كثيرة. وكانت الأمواج البشرية تتحرك ببطء إلى غير هدى، وضوضاء أجهزة راديو ترانزيستور المنتشرة في المقاهي والدكاكين وفي كل مكان، يتردد صداه بين الجبال المحيطة بالسوق، ومحطات إذاعات تطوان وطنجة والرباط تنقل وصفا حيا للاستعدادات الشعبية والرسمية – الفرنسية في مطار الرباط للاستقبال، والطيارة المغربية الوحيدة “ثريا الشاوي” تحلق بطائرتها وتمطر طائرة السلطان بالورود والزهور وعبارات الترحيب والولاء (…)”.

2 – الصعود إلى الجبل

والآن سنحاول الالتفات إلى عبارة: “الصعود الى الجبل”. فلغة تعني الانتقال من الأراضي الواطئة السهلية الى الأراضي المرتفعة، أي الجبال مهما اختلف علوها. وهذه المرتفعات، في المغرب مثلا، وعبر مختلف الازمنة التاريخية، شكلت ملاذا آمنا للإنسان يلجأ إليها هربا من خصومه الداخليين والخارجيين. ونفس الأمر ينسحب على منطقة الريف الأوسط الواقعة جغرافيا على الساحل الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط، مهد الحضارات القديمة وطرق التجارة الساحلية المعروفة بالمساحلة.

لكن اصطلاحا تستعمل هذه العبارة في قاموسنا اليومي استهجانا وتهكما، كأن نقول مثلا عندما يحتد النقاش بين البعض: دعه يصعد إلى الجبل، أو هل تريد الصعود إلى الجبل، أو تعبيرا عن الغضب لدى شريحة ما حماية لنفسها من طغيان، فتنعزل عن المتنفذين وتقاطع أي صلة بهم مكتفية بما هو متوفر من موارد معيشية. سياسيا استعملت من طرف السلطة المركزية للإشارة إلى انتفاضة ما، وما تزال تتداول من حين لآخر إلى يومن هذا كلما وقع احتجاج سواء في الريف أو في مكان آخر. وهذا ما حدث في أواخر الخمسينيات حينما وظفها الملك الراحل محمد الخامس في خطابه المشهور في يناير 1959، لكن بشكل عكسي عندما دعا السكان إلى النزول من الجبال. فإلى أين سيذهبون وتلك الجبال هي مستقرهم ومأواهم وفيها توجد ديارهم.

3 – انتفاضة الريف والتدوين

قليلة هي المؤلفات التي خصصت موضوعها الرئيسي لانتفاضة الريف سواء هنا أو خارج الحدود، وقليل هم الذين سعوا إلى سبر أغوار هذه المرحلة وهذا الحدث المفصلي في تاريخ المغرب بعد 1956. أما لماذا، فالأجوبة تتنوع وتتباين، ولكل مبرراته وعلله. وهكذا، فإذا استثنينا بعض المقالات هنا وهناك، أو استحضار هذا الحدث ضمن تيمة كبرى تهم تاريخ المغرب، كما هو الشأن في بعض الدراسات التي تناولت الحركات الاحتجاجية في المغرب المستقل، فإننا نعثر على عناوين لا يتعدى عددها أصابع اليد الواحدة، أذكر منها:

– د. مصطفى أعراب، الريف بين القصر، جيش التحرير وحزب الاستقلال، منشورات اختلاف، 2001

– محمد زاهد، الريف، التاريخ والذاكرة، 2019.

– سعيد العمراني، انتفاضة الريف كما رواها لي أبي.

– د. محمد لشقر، الممانعون (بالفرنسية Les insoumis).

– د. محمد لخواجة، من مخاض الاستقلال إلى أحداث الريق 1958-1959، منشورات أبي رقراق للطباعة والنشر، الرباط، 2021

على المستوى البحث الجامعي، نجد:

– الطالبين عبد الكريم أوفلاح (رحمه الله) وحيدوش نجيم، أحداث الريف 58-59، السياق التاريخي والتداعيات السياسية، السنة الجامعية 2003-2003 وهو بحث لنيل شهادة الإجازة في الحقوق، شعبة القانون العام.

– الطالبين: رشدي المرابط وفؤاد العلالي، أحداث الريف الدامية 1958-1959 أو “عام إقبارن”، السنة الجامعية 2004-2005، وهو بحث لنيل شهادة الإجازة في الحقوق، شعبة القانون العام. على مستوى شهادة الماستر، هناك رسالة لصديقنا عبد المجيد العلاوي تحت عنوان: أحداث الريف 1958-1959، تساؤلات واستنتاجات، السنة الجامعية 2018-2019، وهو نفس الموضوع، ولو بعنوان آخر، يشتغل عليه في سلك الدكتوراه حاليا، ونتمنى له كل التوفيق. كما نوقشت أطروحة دكتوراة في 2023 من طرف الأستاذ الباحث عبد الصمد زكي، وهي غير منشورة.

وبالعودة إلى موضوع ندوة الجمعة الماضية، سيما تدخل الأستاذ مصطفى أعراب حول دور الأمير محمد عبد الكريم الخطابي في انتفاضة الريف، وتعميما للفائدة، أود أن أشير إلى كتاب صدر سنة 2023 عن مؤسسة INSTITUTO DE ESTUDIOS CEUTIES للباث الأكاديمي Marcos Roberto Pérez González في 223 صفحة تحت عنوان:

Rebelión en el Rif: Conflicto social y político en el Marruecos postcolonial, 1958-59

والمؤلّْف، حسب ما ورد على ظهر الكتاب، حاصل على دكتوراه العلاقات الدولية، وعلى إجازة في العلوم السياسية وعلم الاجتماع، ومتخرج في الجغرافيا والتاريخ، وهو موظف في وزارة التعليم والتكوين المهني. أستاذ الجغرافيا والتاريخ وعضو في جمعية الدراسات حول مدينة مليلية حيث يقوم بعمله البحثي في الوقت الراهن، من مؤلفاته: – مليلية واستقلالها الذاتي؛ مفاتيح عملية غير مكتملة (2012)، – الصراع الإسباني المغربي ؛ العلاقات الإسبانية المغربية في ظل الحكومات الاشتراكية، 1982-1996 (2017)

اعتمد في تأليف هذا الكتاب على عدة مصادر والأرشيفات منها:

– Archivo general de la administración A.G.A

* Dirección General de Plazas y provincias africanas.

* Delegación de Asuntos Indígenas. Alta comisaria del Protectorado Español en Marruecos

*Dirección General de política Exterior* Consulado General de España en Tetuán

* Consulado General de España en Nador* Consulado General de España en Fez

* Embajada de España En Rabat

– Archivo Intermedio Militar de Malilla

– Fonación Nacional Francisco Franco

فبالإضافة إلى المقدمة وملاحظة المؤلف التي سبقتها وكتمهيد، والتي يقول فيها:

“لطالما استحضر اسم الريف في إسبانيا، وحاصة في مليلية، ذكريات مريرة عن الماضي. إن الحروب الاستعمارية التي جرت في النصف الأول من القرن العشرين، والتي كانت مؤلمة لكلا الجانبين، السكان الإسبان أو الريفيين، قد أطرت، وبلا شك، الوعي الجمعي للشعبين” (ص.9).

ويضيف: “نحن الذين ولدنا وعشنا في مليلية لطالما سمعنا عن الريف. بالنسبة للكثيرين كانت هذه الأرض ترمز قبل كل شيء إلى الحروب الاستعمارية، الفشل العسكري الشهير، ولكنها كانت أيضًا مليئة بالأعمال البطولية غير المعروفة في شبه الجزيرة. بالنسبة لآخرين، كانت تلك المنطقة المحيطة بالمدينة، والتي تمتد حتى فيا سانخورخو القديمة، الحسيمة اليوم. أيضًا، كانت بلدًا يخفي ثقافة قديمة بالطبع، وكانت بالتأكيد مصدرًا غنيًا بالقصص المتنوعة. واحدة من هذه القصص، وربما الأكثر شهرة، كانت ثورة سنوات 1958-1959، وهي حدث تاريخي منسي في المغرب الناشئ بعد الاستقلال، لدوافع وأسباب سياسية ولم يدرس في الخارج لعدم وجود مادة مصدرية كافية ومتاحة، تتجاوز الروايات التي نقلها الريفيون أنفسهم وبعض الأوروبيين الذين عاشوا تلك الأحداث، وقد تم تداولها على مر السنوات التالية”. (نفس الصفحة)

يتضمن فهرس الكتاب المحاور والفقرات التالية:

  • المغرب: الاستقلال وبنية الحقل السياسي.
  • نظام ودينامية السلطة السياسية في منطقة الحماية الفرنسية في المغرب.
  • الحركات والدينامية السياسية في منطقة الحماية الإسبانية.
  • الحماية الإسبانية واستقلال المغرب.
  • الدينامية السياسية وتطور الحماية الإسبانية السابقة في المغرب.
  • تدبير انتقال السلطة بين إسبانيا والمغرب.
  • الصراع السياسي والنضال من أجل السلطة بعد الاستقلال.
  • إعادة تشكيل المجال الأيديولوجي: القومية (الوطنية).
  • الوطنية (القومية) في الحماية الإسبانية السابقة.
  • توحيد الدولة والمعارضة الداخلية في المغرب.
  • بدايات المعارضة في الشمال.
  • محاولات لثورة ناشئة.
  • الريف: الثورة المتواصلة.
  • أزمة الحكومة وآخر التغييرات في المنطقة الشمالية.
  • بداية الصراع السياسي في الريف.
  • انتفاضة الريف.
  • التحركات الأولى للجبهة الريفية: من محاولة التفاوض إلى التمرد المسلح.
  • رد المخزن: تدخل الجيش المغربي.
  • العمليات العسكرية الأخيرة في الريف: نفي سلام أمزيان.
  • عواقب الصراع: أعمال القمع في الريف.
  • إسبانيا أمام مشكلة الريف.
  • موقف الحكومة الإسبانية تجاه الصراع في الريف.
  • تأثير الصراع على مدينتي الحسيمة ومليلية.
  • تطبع الوضع في الريف والانتصار السياسي للملكية.
  • التمرد الأخير لأبناء إسبانيا.
  • خاتمة: لغز عبد الكريم.

يقول الكاتب في المحور الأخير المعنون بـ: لغز عبد الكريم، ما يلي:

“لا يمكن أن ينتهي عمل من هذا النوع دون ذكر أحد أبرز منظري القومية الريفية منذ عشرينيات القرن الماضي، حيث إن جاذبيته ونفوذه وتأثيره تعتبر ضرورية لفهم بعض تصرفات النخب الريفية التي، في لحظة معينة، طرحت إمكانية قيام ثورة قد تطيح بالنظام الملكي العلوي، وتستقل بالريف أو حتى توحد المغرب الكبير تحت راية واحدة، وهي فكرة بدت مستحيلة ولكنها ليست كذلك تمامًا. لفقد لعب عبد الكريم دورًا واضحًا في الأزمة الريفية من وجهة نظر أيديولوجية وأخلاقية، حيث كان أحد أشد النقاد للنظام الملكي المغربي، والجيش المغربي، والحكومة نفسها وحزب الاستقلال في القمع الممارس في المنطقة الشمالية للمغرب الحالي. لكن دوره في هذه القضية أكثر إثارة للجدل. من هنا، من المثير للاهتمام بمدى تورطه أو عدمه في التمرد الريفي، اعتمادا فقطًا على المعلومات المتاحة في ذلك الوقت والمتاحة للباحثين، وهي مهمة ليست سهلة لأن عبد الكريم لم يترك أي عمل مكتوب يُعبر فيه عن تفكيره السياسي أو عن المسألة الريفية في المغرب ما بعد الاستعمار.

إحدى أولى المعلومات المتعلقة بتوجهات عبد الكريم تجاه المغرب تأتي من تقرير أعده الصحفي الإسباني فرناندو ب. دي لا كامبرا في عام 1957 بعد مقابلة أجراها في القاهرة مع الزعيم الريفي. كتب كامبرا كتابًا بعد بضع سنوات يعرض فيه بعض تقييماته لما حصل عليه من عبد الكريم خلال تلك المقابلة، لكنه لم ينشر بعض التفاصيل المهمة. ربما لهذا السبب لم يحظ كتابه بتقدير كبير من قبل المؤرخين، حيث بدا التقرير غريبًا إلى حد ما بسبب نقص المعلومات وادعائه عن نية مزعومة لعبد الكريم في الدخول في مفاوضات مع الحكومة الإسبانية.

كانت ثورة عبد الكريم ضد إسبانيا في الريف عام 1921 قد جعلت من الصعب تصور تغيير في موقفه تجاه مفاوضات مع الحكومة الفرانكوية. لذا، لم يلقَ الكتاب تقييمًا مناسبًا في حينه، ولكن من الجدير بالذكر أن لدينا الآن مزيدًا من المعلومات حول خطط عبد الكريم تجاه الريف، المغرب، وإسبانيا. يجب دراسة تقرير كامبرا بحذر، إذ بينما يمكن التأكد من بعض المعلومات بمصادر أخرى، لا ينطبق الأمر نفسه على بعض استنتاجاته. على سبيل المثال، التقرير مؤرخ في 1957 لكنه يحتوي على معلومات حول أحداث ذكرت في وقت لاحق، مما يطرح تساؤلات حول دقة بعض المعلومات المذكورة”.

تكمن أهمية هذا المُؤَلَّف الجديد الذي أعتقد أنه الأول، ويحق للمؤلِّف أن يكون له حق السبق، في اعتماده على أرشيفات لم يطلع عليها أحد من قبل وليست في متناول الجميع، وفي البحث عما ما إذا كانت هناك يد لإسبانيا في تلك الانتفاضة، كما يحلو للبعض اتهامها بذلك، أو عدمها، وهذا ما فنده الباحث في إحدى الحوارات الصحفية أثناء تقديم هذا البحث بمدينة سبتة.

عموما كتاب يستحق القراء الدقيقة، بل ويستحق الترجمة لتوسيع دائرة تداوله.

قرية الصيادين (الرينكون)، 19 أكتوبر 2024

كلمة/مداخلة عبر صفحة قدماء تلامذة البادسي بمناسبة مرور الذكرى 29 على وفاة محمد الحاج سلام أمزيان، قائد انتفاضة الريف.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق