الدراسة العلمية حول ” البنية الاجتماعية السياسية لقبائل الريف الأوسط” لدايفيد مونتغومري هارت ترى النور.
صدر اليوم بلاهاي (هولندا) كتاب “البنية الاجتماعية السياسية لقبائل الريف الأوسط” ، وهو في الأصل مخطوطان لدايفيد مونتغومري هارت، ضمن أربعة مخطوطات كان قد عهد بها هذا الباحث الفذ إلى زميله باولو دو ماس لنشرها، فنشر كتابان فيما تعذر عليه نشر مخطوطين اثنين فبقيا في طي النسيان.
قبل أن يسلم هارت هذين المخطوطين لباولو دو ماس في يونيو 2000، كان قد أودعهما لدى جامعتي محمد الخامس بالرباط وعبد المالك السعدي في تطوان لنشرهما، لكن بعد مرور 12 سنة، جاءه الرد بأن موضوع الريف غير مرغوب فيه. هذا الرد يوضح لنا بشكل لا غبار عليه كيف تتعامل مؤسسات الدولة مع كل شيء يخص الريف و طبيعة العلاقة التي تربط المركز بهذه المساحة الجغرافية التي عانت و تعاني الويلات بسبب سياسة الإقصاء المتعمد و الحرب المستمرة التي تهدف لتدمير المنطقة اقتصاديا و ثقافيا و ضرب الهوية و الانتماء لخلخلة الارتباط بين الإنسان و الأرض و بين الانسان و التاريخ ما يستدعي طرح سؤال مصيري إلى متى سيظل أرشيف الريف محاصر و إلى متى سنظل نتعامل مع هذا الأمر و كأنه قدر لا مناص منه، لماذا لا نحاول كل حسب استطاعته أن نعيد قطار الجيل القادم إلى سكته الطبيعية بدل هذا الضياع و الشتات و ذلك بمثل هذه المبادرات خاصة و أن الكتاب تعمدنا نشره باللغة الأنجليزية و هو موجه بالأساس للشباب الذي نشأ بالمهجر و الذي لا يتقن اللغة العربية و هذا نداء الى هذا الجيل الذي تعلم بمدارس الغرب ليطلع على تاريخه و ماضيه ليعرف نفسه و قيمته بين الأمم .
تحمس باولو دو ماس لإحياء هذا العمل الهام عندما عبرت دار النشر المذكورة عن رغبتها في إصداره، وأسندت مهمة إعداده للنشر لعبد المجيد عزوزي الذي راجعه وأنجز تقديما له وأخرجه. الكتاب يحمل أيضا تقديما لباولو دوماس يوضح فيه حيثيات حصوله على المخطوطين وتسليمه لصاحب دار النشر نكور.
يعتبر هذا الكتاب استكمالا لأطروحة هارت حول أيث ورياغر وتحديثا للمعطيات السابقة، حيث أغناه بمعطيات جديدة ووسع مجال البحث ليشمل جميع قبائل الريف الأوسط، مركزا على بنياتها الاجتماعية والسياسية، مع إبراز الجانب التاريخي الذي يهم هذه القبائل في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.
سيجد القارئ توضيحات أكبر حول التصور الجديد لهارت بخصوص النظرية الانقسامية، حيث تخلى عن الجانب المتعلق بالنظرية الانقسامية للسلالة التي أصبحت مضادة للانقسامية بالنسبة لقبائل الريف الأوسط، وأيث ورياغر على وجه الخصوص. وهذا لا يعني التخلي عن النظرية الانقسامية في حد ذاتها، لأن جميع المجتمعات التقليدية تبقى انقسامية بامتياز. الجدير بالذكر أن هذا التحول جاء نتيجة انتقادات هنري مونسون لتبني هارت للنظرية الانقسامية للسلالة، خصوصا بالنسبة لأيث ورياغر، حيث ينتفي عنصرا التعارض والتوازن اللذين يميزان هذه النظرية، وحيث يتمزق عنصر تلاحم السلالة نتيجة نزاعات الأخذ بالثأر الداخلية.
يتضمن الكتاب أيضا دراسة مقارنة للمجتمعات التقليدية وطريقة تدبيرها للنزاعات، وذلك بالنسبة لأمازيغ الريف، والأطلس، والقبايل بالجزائر، والبشتون في باكستان. كما يحتوي الكتاب الجديد على الوثائق الأصلية التي كان هارت قد جمعها خلال إنجاز دراسته في الريف. هي 68 وثيقة من أيث توريرث وثمارزگا وإگزناين، مع ترجمتها إلى الإنجليزية والتعليق عليها.
زُين متن الكتاب بصور أصلية أخذ أغلبها هارت بنفسه أو أصدقاؤه في حالات محدودة، وأخرى من إضافة الناشر، ووُضعت مجموعة منها في ملحق خاص في آخر الكتاب.
ولإعطاء صورة أوضح عن هذه المحتويات نورد عناوين الفصول العشرة للكتاب:
• الجزء الأول: المجتمع التقليدي والنزاعات الدموية في الريف، دراسة الأحلاف والأخذ بالثأر في الريف الأوسط.
– الفصل الأول: البنية الاجتماعية والسياسية التقليدية للقبائل الست المجاورة لأيث ورياغر، وتاريخها القبلي في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. بلاد السيبة وبلاد المخزن.
– الفصل الثاني: النزاعات الدموية الخارجية في الريف أم نزاعات الأخذ بالثأر الداخلية؟ أو سيادة النظام الانقسامي للسلالة أم المضاد للانقسامية؟
– الفصل الثالث: النزاعات الدموية في جرجرة بالجزائر وفي الريف .
– الفصل الرابع: دراسة نماذج لنزاعات الأخذ بالثأر في القبايل بالجزائر والريف المغربي.
– الفصل الخامس: طريقتان لتدبير النزاعات، غرامة الحق في الريف لدى الورياغليين والدية في الأطلس لدى أيت عطا.
– الفصل السادس: موحى أوحمو أمحزون أزيي، نموذج المقاوم الأمازيغي الصلب بالأطلس المتوسط.
• الباب الثاني: وثائق من الريف المغربي.
– الفصل السابع: قضايا بخصوص جمع ونسخ الوثائق وترجمتها.
– الفصل الثامن: من الريفوبليك إلى الريبوبليك أو الجمهورية. المؤسسات الاجتماعية والسياسية وإصلاحات محمد بن عبد الكريم.
– الفصل التاسع: النص العربي للوثائق وترجمتها الإنجليزية.
– الفصل العاشر: عناصر التقليدانية والاستمرارية والحداثة في القوانين الشرعية والعرفية لدى الريفيين في المغرب والبشتون في باكستان.
يبقى الكتاب إذن مرجعا ذا أهمية بالغة سواء بالنسبة إلى الباحثين المتخصصين أو عموم القراء، خصوصا الريفيين المقيمين بالخارج الذين يعتمدون على اللغة الإنجليزية بشكل أساسي كوسيلة للقراءة.
