إلياس الخطابي: الهارب من المأساة

13 مايو 2023
إلياس الخطابي: الهارب من المأساة
إلياس الخطابي
إلياس الخطابي

لم يعش سوى سنوات قليلة في مسقط رأسه. الحياة كانت صعبة عليه، وعلى الجميع. على الذين يسكنون قريبا منه، وعلى البعيدين أيضا. كان يراهم في السوق، ويرى سحنات وجوههم عابسة وحزينة.

اعتقد أن مدينته هي الوحيدة التي كثر فيها الحزن. حينما سافر إلى مدينة أخرى بعيدة، رأى شيئا مختلفا. رأى أن جل الناس يبدو عليهم الفرح. الرجل يمسك بيد زوجته في الشارع، ويلاعب أطفاله. ولج مطعما في وسط المدينة. طلب غذاء. حينما أتاه النادل بما طلبه. سأل النادل قائلا:

– يبدوا أن هذه المدينة رائعة، تعيشون فيها الفرح. تعيشون فيها الحياة الحقيقية.

أجابه النادل بسخرية:

– أنت لم تر حقيقة هذه  المدينة بعد. اذهب لهوامشها كي ترى الناس كيف يعيشون.

تناول عمر غذاءه بسرعة، وبحزن أيضا. لم يأكل سوى قليلا. شهيته لم تبق محلولة كما كانت من قبل. النادل عكر  مزاجه، وكذلك شهيته أغلقت بما قاله له النادل. بعد فترة قصيرة، نهض. أدى ثمن وجبة الغذاء. خرج. ظل يحدق في ساحة المدينة. تبدو له رائعة، مثل لوحة ما رآها في فيلم يغيب عنه اسمه.

أوقف شخصا لا يعرفه. سأله عن الوجهة التي تؤدي للمدينة العتيقة. أشار الشخص بيديه في اتجاه معين. شكره عمر . بعد ذلك، مضى كل واحد حيث يريد.

وصل عمر للأحياء التي سماها النادل أحياء هامشية. لم تبد له هامشية كما تصور. أحياء لا تشبه أحياء مدينته. الناس أيضا. بسطاء، لكن يبدو له أنهم سعداء. السعادة اختيار. هكذا حدث نفسه. تأمل الناس قليلا، ثم الأزقة  وقال لنفسه:

– السعادة .. لا علاقة لها بالفقر ولا بالغنى. إنها اختيار، وهي كذلك فن. يمكن أن تكون سعيدا وأنت لا تملك في الحياة إلا القليل.

طالت زيارته للمدينة. ظل لأكثر من شهر في الفندق الذي سكنه لأول مرة. استغرب صاحب الفندق. عادة ما يقيم الناس في الفندق سوى أياما قليلة ثم يهاجرون. لكن عمر ظل لفترة طويلة. مرة، صادف صاحب الفندق عمر في الباب. تصافحا، ثم ابتسما في وجه بعضهما البعض. سأل عمر قائلا:

– يبدو أنك أطلت هنا كثيرا ياعمر، وعلى وشك أن تصبح من العائلة.

ضحك عمر قليلا، ثم أجابه مبتسما:

– سحرتني هذه المدينة. أشعرني حيا فيها. مدينتي .. كنت أموت فيها ببطء. لقد هربت من الموت، والآن أنا حي. سأبقى هنا إلى أن أشعر أنني بدأت أفقد شغفي بالحياة.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق