منطق السلطة السياسية شبيه جدًا بمنطق الرأسمالية. الإثنين يدعان مبادرات خارج إرادتيهما تتطور في “جيوب هامشية” كبدائل لهما… ثم حالما تتشكل هذه البدائل وتكتسب شرعية شعبية، إجتماعية أو اقتصادية تنقض عليها هاتين الآلتين بسلاسة ومكر مختلط بدهاء لاحتوائها وتحويلها الى أدوات لاستعادة عذريتيهما وللميلاد من جديد كطائر الفينق،
بنفس المنطق الأصلي ولكن بواجهة جديدة يكون عنوانها الرئيسي المبادرة الهامشية الجديدة التي تأخذ مكان المبادرات الهامشية القديمة التي كانت يوما ما أداة الميلاد الجديد للسلطة أو للرأسمالية!
فعلت الرأسمالية ذلك مع تقريبا كل البدائل التي تطورت على هامشها من موجة الپونك Punk حتى تجارب اقتصاد التدوير Circular economy واقتصاد المحطات الافتراضية الحرة Platform economy ومرورا ببدائل الاقتصاد الاجتماعي والتعاونيSocial economy والإقتصاد الأخضر.
التوظيف يتم دائماً عبر ادخال هذه المبادرات الى منطق عالم السوق الحر المبني على الربح والنجاعة الاقتصادية المحصورة في التحكّم في مستوى تكاليف الانتاج وضبطها في حدّها الأدنى عوض منطقها الأصلي المبني على الاستقلالية، والمصلحة العامة وإشباع الإحتياجات!
نفس المنطق طورته السلطة السياسية، إراديًا او لاإراديا، في تعاملها مع تجارب وبدائل الجيوب الهامشية التي تطورت على نقيض مبادئها أو كردة فعل على تجاوزاتها… تعاملت معها كما تعاملت الرأسمالية مع الثقافة المضادة، أي باحتوائها وبمشاركة رمزية للسلطة معها إن اقتضى الأمر. بجملة يتم “تسليعها” وتحويلها إلى مقاولات يُزرع فيها منطق الربح السياسي وخاصة منطق تخفيض التكلفة (أخف الضررين، المصلحة العليا، الحفاظ على الوجود…) كمعيار مرجعي بدل منطق الحرية والكرامة والتداول السلمي والديموقراطي للشأن العام، وذلك عبر ربطها رمزيا وفعليا بمصالح مادية ومعنوية لا يمكن التعامل معها سوى بمنطق الربح والخسارة.
ملاحظة: لتعميق فكرة تعامل الرأسمالية مع موجة الپونك مثلا يمكن الرجوع الى كتاب قيّم للسوسيولوجي Fabien Hein صدر عام 2012 تحت عنوان:
Do it yourself! Autodétermination et culture punk
