تُعتبر علوم الحديث من أهم العلوم الإسلامية التي تُشكّل الأساس لفهم السنة النبوية، وهي المصدر الثاني للتشريع بعد القرآن الكريم. إلا أن التساؤلات تتزايد حول منهجية بعض المنصات الرقمية في عرض الأحاديث النبوية وانتقائيتها. من بين هذه المنصات، منصة محمد السادس للحديث النبوي التي لم تتضمن عددًا من الأحاديث الثابتة، ومنها حديث رواه مسلم في صحيحه يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: “لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر فيقول الحجر أو الشجر يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود” (صحيح مسلم).
قيمة العلم الحديثي واحترام قواعده
لقد شدد المفكر المغربي محمد عابد الجابري على أهمية الالتزام بالقواعد العلمية في الدراسات الإسلامية، مُبينًا أن “التراث ليس مجرد إرث بل هو بناء معرفي يحتاج إلى أدوات تحليلية دقيقة” (الجابري، “نحن والتراث”، ص. 85). ومن هذا المنطلق، فإن دراسة الحديث النبوي تتطلب تحقيقًا دقيقًا للأسانيد والنصوص، وتمييز الصحيح من الضعيف والموضوع، وهو ما يجعل من علم الحديث علمًا مستقلًا بذاته. وفي هذا السياق، يقول ابن الصلاح في “مقدمة علوم الحديث” (ص. 23): “علم الحديث هو العلم الذي يُعرف به أحوال سند الحديث ومتنِه، غاية ما يُراد منه معرفة ما يُقبل وما يُردّ”.
عند بحثي في منصة محمد السادس للحديث النبوي، لم أجد الحديث المتعلق بقتال المسلمين لليهود في آخر الزمان، رغم أنه مروي في صحيح مسلم. مما يثير عدة تساؤلات حول المنهجية المتبعة في انتقاء الأحاديث وعرضها. هل هناك اعتبارات سياسية أو دبلوماسية وراء عدم إدراج أحاديث معينة؟ هل تتبع المنصة منهجية انتقائية تركز على الأحاديث التي تعتبرها أكثر أهمية للتوجيه الديني والأخلاقي وتتجنب الأحاديث التي قد تثير الجدل؟
ما مدى احترام الشرط المغربي؟
الشرط المغربي في الحديث هو منهج يتسم بالدقة والصرامة في التعامل مع الأحاديث النبوية، مع مراعاة اتصال الأسانيد وتصحيحها بناءً على معايير دقيقة وضعها العلماء المغاربة على مر العصور. يتضمن هذا الشرط:
1. اعتبار الاتصال الحكمي: حيث يتم قبول الحديث المتصل إما حقيقة أو حكمًا، بشرط أن يكون رواه عدل تام الضبط.
2. اعتماد المشتهر من العمل المدني: أي قبول الروايات المشتهرة بين أهل العلم بالمدينة، خاصة إذا كانت متداولة ومعروفة.
3. اعتبار الشذوذ في المعنى تجنب الروايات التي تتعارض مع الأصول الثابتة كالقرآن والسنة العملية.
4. مراعاة عمل الخلفاء الراشدين: إذ يعتمد على ما ثبت عمله عنهم، باعتبارهم قدوة في الفقه والاستنباط.
فما مدى احترام هذه الشروط الواردة في المنصة ام أن الأمر كما يشير الجابري في كتابه “مدخل إلى القرآن الكريم” (ص. 132) يتعلق بتأثير السياسة والدبلوماسية على العلوم الدينية، مشددًا على أن “التحيزات السياسية يمكن أن تشوه المعارف الدينية وتضعف من مصداقيتها”.
– اعتبارات سياسية ودبلوماسية
قد تكون هناك أسباب سياسية أو دبلوماسية وراء عدم إدراج أحاديث تتعلق بموضوعات حساسة مثل اليهود. لكن هل يجوز لنا إخضاع الروايات الحديثية لتقلباتنا السياسية في عالم يشهد تغيرات جيو-سياسية ودبلوماسية سريعة؟ قد تفضل بعض المؤسسات الرسمية تجنب المواضيع التي قد تثير التوترات أو الحساسيات بين الأديان والشعوب. هذا الاعتبار ممكن من زاوية رؤية سياسية، لكن القرآن الكريم مليء بآيات في ذات السياق. يقول الجابري في كتابه “التراث والحداثة” (ص. 92): “إن تسييس الدين يُفقده طبيعته الروحية والمعرفية، ويجعله أداة بيد القوى المتحكمة”.
– منهجية انتقائية وتعليمية
قد تتبع المنصة منهجية انتقائية تركز على الأحاديث التي تعتبرها أكثر أهمية للتوجيه الديني والأخلاقي، دون التطرق إلى الأحاديث التي قد تكون مثيرة للجدل أو تتطلب فهمًا عميقًا للسياق التاريخي والثقافي. هذا التوجه يمكن أن يكون له مبرراته التعليمية والدعوية، لكنه قد يفقد الجمهور فرصة الاطلاع على النصوص الكاملة وفهم السياق الذي وردت فيه الأحاديث.
– التحقيق العلمي واختلاف التوجهات
من الممكن أن تكون هناك توجهات مختلفة في التحقيق العلمي للأحاديث، وربما تم اعتبار بعض الأحاديث غير صحيحة أو غير موثوق بها بناءً على دراسات حديثة، وبالتالي لم يتم إدراجها في المنصة. هذا الاختلاف في التوجهات يعكس تنوع المدارس الفكرية والعلمية في الإسلام، ويؤكد على أهمية الحوار والتبادل العلمي المفتوح بين العلماء والمفكرين.
وهو ما يستدعي توضيح أسباب غياب بعض الأحاديث من منصة محمد السادس للحديث النبوي وفتح باب النقاش حول منهجية انتقاء الأحاديث وعرضها، وتثار تساؤلات حول الاعتبارات السياسية والدبلوماسية والتعليمية التي قد تؤثر على ذلك. ورغم اختلاف الآراء حول صحة بعض الأحاديث، فإن احترام قواعد علم الحديث وتحقيق الأمانة العلمية يظل أمرًا ضروريًا لضمان تقديم النصوص الدينية بشكل متكامل وشفاف. إن الحوار العلمي المفتوح والاعتماد على مصادر متنوعة يمكن أن يساهم في تقديم فهم أعمق وأشمل للسنة النبوية وعلومها. وكما قال الجابري في كتابه “بنية العقل العربي” (ص. 177): “إن العقل النقدي هو الذي يمكنه أن يُميز بين ما هو تاريخي وما هو ديني في تراثنا، ليُعيد بناء فهمنا للتراث بما يتناسب مع تحديات الحاضر”.