في قلب المغرب، تلك المملكة التي تشرق شمسها بنور القرآن وتظلها رعاية جلالة الملك محمد السادس، حيث يُبذل جهد لتعزيز القيم السمحة للإسلام، ظهرت ظاهرة غريبة ومقلقة، تسيء إلى جمال الدين وتعكس واقعاً اجتماعياً متردياً. هذه الظاهرة هي استغلال الرموز الدينية في التسول، حيث يظهر بعض الأفراد متنكِّرين بزيّ طلبة القرآن، مضيفين ألواناً قاتمة إلى لوحة الحياة اليومية في المغرب.
أصول الظاهرة
قبل عقود طويلة، كان التسول مجرد ظل هادئ يتسرب من زوايا الشوارع. لكن مع مرور الزمن وتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، تضخم هذا الظل ليصبح وحشاً جائعاً يتنفس فقره على أرصفة المدن. تشير تقارير وزارة الأسرة والتضامن إلى أن عام 2019 شهد وجود نحو 195,000 متسول في المغرب، جزء كبير منهم اختاروا أن يتنكروا بزي طلبة القرآن، محولين رموز الدين الطاهرة إلى وسيلة لجذب تعاطف المارة.
انتشار الظاهرة وتأثيرها
في الأزقة الضيقة للدار البيضاء، وبين الأزقة العريقة للرباط، وحتى في الحارات الهادئة للحسيمة، تراهم يحملون الألواح الخشبية ويرتدون اللباس التقليدي، يتسللون بنظراتهم الحزينة وأصواتهم الواهنة إلى قلوب الناس. هذه المشاهد لم تكن سوى استغلال سافر للرموز الدينية، مما أثار حفيظة السكان ودفعهم إلى التساؤل عن معنى الاحترام والقيم.
استغلال الرموز الدينية بهذه الطريقة لم يكن مجرد تعدٍ على القيم الأخلاقية، بل كان يساهم في تشويه صورة حملة القرآن الحقيقيين وتقليل من احترام المجتمع لهم. بل إن التسول في حد ذاته، بما يحمله من استغلال للنساء والأطفال والأشخاص ذوي الإعاقة، يزيد من وطأة الفقر والجريمة في المجتمع.
مقترحات وحلول
1. تعزيز الرقابة وتطبيق القانون:
– يجب تعزيز الرقابة على المتسولين في الشوارع، خاصة أولئك الذين يستغلون الرموز الدينية.
– تطبيق عقوبات أشد صارمة على كل من يُضبط في حالة استغلال رموز دينية للتسول.
2. دعم حملة القرآن الحقيقيين:
– إنشاء برامج دعم مالي ومعنوي لحملة القرآن لضمان عدم اضطرارهم للتسول.
– تعزيز دور الجمعيات التي تُعنى برعاية حملة القرآن ودعمها بالموارد اللازمة.
3. توعية المجتمع:
– تنظيم حملات توعية حول خطورة استغلال الرموز الدينية في التسول وأهمية دعم حملة القرآن الحقيقيين.
– تعزيز قيم التضامن والتكافل الاجتماعي بطرق شرعية وفعالة.
4. التعاون بين الجهات المعنية:
– تشجيع التعاون بين وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ووزارة الداخلية والجهات الأمنية لضمان تطبيق القانون ومكافحة الظاهرة بفعالية.
– دعوة الهيئات المعنية بالحقل الديني للتدخل واتخاذ إجراءات صارمة لحماية رموز الدين من الاستغلال.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من غشنا فليس منا” (رواه مسلم). يشير هذا الحديث إلى خطورة الغش والخداع في جميع الأمور، بما في ذلك استغلال الرموز الدينية للتسول. إن التصدي لهذه الظاهرة يتطلب جهداً جماعياً بين المجتمع والسلطات، لنضمن أن تبقى رموزنا الدينية محصنة من الاستغلال، والحفاظ على مكانة القرآن الكريم وحملته الحقيقيين ليس مجرد واجب ديني، بل هو مرآة تعكس حضارة الأمة وحرصها على قيمها السامية التي نشأ عليها المجتمع المغربي.