“الهندية” النبتة المقدسة تقاوم الانقراض

24 يونيو 2024
“الهندية” النبتة المقدسة تقاوم الانقراض

الكاتب: المرتضى إعمراشا
أقسم الباري سبحانه في القرآن الكريم بالتين فقال: والتين والزيتون وطور سينين..؛ وهذا يشمل كل أنواع التين كذا الأماكن التي تنبت فيها، على تنوع أقوال المفسرين واختلافهم.
– شكر النعم:
تُؤكد تعاليم الإسلام على أهمية شكر النعمة والاعتناء بها. يقول الله تعالى في القرآن الكريم: “وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ” (إبراهيم: 7). هذه الآية تبرز أهمية شكر النعم والاعتراف بفضلها، وأن الإهمال والجحود يمكن أن يؤدي إلى فقدانها. كما ذكر الله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ” (البقرة: 172) و”وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ” (الأعراف: 10). قصة مملكة سبأ مثالٌ صارخٌ على ذلك.

عندما كنا نذهب إلى قرى الريف في السنوات الماضية، كنت ألاحظ إهمالًا كبيرًا لنبتة الصبار وتعسفًا في التعامل معها، بل قلت أن هذا مؤذن بزوال هذه النعمة ولم يكن الناس يُدركون أهميتها. هذا الواقع تغير تمامًا في المغرب، حيث أصبحت “الهندية” – نبتة الصبار – مادة نادرة في بعض المناطق، ورمزًا للمقاومة والصمود في وجه تغيرات المناخ، ولم تعد فاكهة الفقراء بل تزداد غلاء سنة بعد أخرى، بل انقرضت من مناطق عديدة بالمغرب.
هذه النبتة ليست مجرد جزء من التراث البيئي للمغرب، بل تحمل أهمية اقتصادية وبيئية عظيمة. ومع ذلك، تواجه اليوم تهديدات كبيرة تتطلب فهماً أعمق وجهوداً مكثفة لمكافحتها. تبرز أهمية هذه النبتة في قدرتها على تحمل الجفاف، وتوفير الغذاء والوقود، ومكافحة تغير المناخ.

عبقرية أينشتاين وحبّه للطبيعة:
ألبرت أينشتاين، الفيزيائي الشهير والحائز على جائزة نوبل، لم يكن معروفًا فقط بإنجازاته العلمية الرائدة، بل أيضًا بحبه للطبيعة واهتمامه بالحياة النباتية. من بين النباتات التي أولى لها اهتمامًا خاصًا كانت نبتة الصبار. يُقال إن أينشتاين كان يحتفظ بمجموعة من نباتات الصبار في منزله، ويعزف لها الموسيقى معتقدًا أن الذبذبات الموسيقية قد تساعد في تعزيز نموها. هذه الفلسفة تعكس نهجه العميق في فهم الطبيعة واعتبار النباتات كائنات حية تستحق العناية والاهتمام.

أهمية “الهندية” في المغرب:
تُمثّل نبتة الصبار في المغرب ثروة اقتصادية وبيئية هائلة. فالتين الشوكي، المُنتج من نبتة الصبار، يُعد مصدر دخلٍ أساسيٍّ للعديد من المزارعين في المناطق الجافة. إلى جانب قيمتها الاقتصادية، تلعب هذه النبتة دورًا حيويًا في مكافحة التصحر وتثبيت التربة، مما يُعزز من استدامة البيئات الطبيعية التي تُزرع فيها.

تواجه “الهندية” عدوًا خطيرًا: الحشرة القرمزية (Dactylopius opuntiae). أدى انتشار هذه الآفة إلى تراجعٍ كبيرٍ في محصول التين الشوكي، مُهددًا اقتصاد المزارعين ومعيشتهم. تشير الإحصائيات إلى تراجع كبير في محصول التين الشوكي في المغرب خلال السنوات الأخيرة بسبب تفشي الحشرة القرمزية. في بعض المناطق، انخفض الإنتاج بنسبة تصل إلى 80%، مما أثّر بشكل كبير على السوق المحلي والتصدير، وبالتالي على الجالية المغربية في الخارج التي تعتمد على هذه الفاكهة.

الإهمال: ثغرةٌ في درع الحماية:
تفاقمت أزمة الحشرة القرمزية بسبب الإهمال الزراعي ونقص الوعي. قلة الري والتقليم وتأخر اتخاذ الإجراءات اللازمة ساهمت في انتشار الآفة. بالإضافة إلى ذلك، نقص التوعية والموارد بين المزارعين حول كيفية التعامل مع هذه الآفة أدى إلى تفاقم الوضع.

يتميز التين الشوكي بخصائص فريدة تجعله سلاحًا فعالًا في مواجهة التغيرات المناخية. باستطاعته النمو في البيئات الجافة ولا يحتاج إلى كثير من المياه، ويمكن استخدامه غذاءً للإنسان وعلفًا للحيوان ومصدرًا للوقود ومخزنًا للكربون. وفقًا لدراسة نشرت في دورية “جي سي بي بايو إينرجي” (GCB Bioenergy) من جامعة نيفادا رينو، يمكن لنبات الصبار توفير الوقود والغذاء في الأماكن التي لم تكن أو لن تكون قادرة على توفير هذه الحاجيات الأساسية بشكل مستدام بفعل التغيرات المناخية. ما يقرب من 42% من مساحة الأرض حول العالم مصنفة على أنها شبه قاحلة أو قاحلة، وهناك إمكانات هائلة لزراعة نبات الصبار لعزل الكربون.

الجهود المبذولة لمكافحة الحشرة القرمزية:
رغم التأخر لم تُغفل الحكومة المغربية والهيئات الزراعية الخطر واتخذت خطواتٍ لمكافحة الحشرة القرمزية، من خلال استخدام المبيدات الحيوية والكيميائية، وتنظيم حملات توعية للمزارعين، وتشجيع البحث العلمي لإيجاد حلولٍ مستدامة. ومع ذلك، يبقى التحدي الأكبر هو تعزيز الوعي بأهمية الاعتناء بنبتة الصبار وتوفير الدعم اللازم للمزارعين.

نماذج تاريخية للعناية بنبتة الصبار:
على مر العصور، أظهرت شخصيات بارزة اهتماماً خاصاً بنبتة الصبار ورعايتها:
1. لينيوس (كارولوس لينيوس): عالِم النبات السويدي الذي يُعرف بأنه والد التصنيف النباتي. أدرج الصبار ضمن نظامه التصنيفي للنباتات، مُشيداً بفوائدها البيئية والطبية.
2. ماهاتما غاندي: القائد الهندي الشهير الذي كان يستخدم التين الشوكي في نظامه الغذائي النباتي. غاندي كان يؤمن بفوائد النباتات الصحية وقدرة الصبار على تعزيز الصحة العامة.
3. إليزابيث بلومر (ملكة الصبار): كانت واحدة من أبرز المهتمين بزراعة الصبار في الولايات المتحدة. أسست مزارع ضخمة وزادت من الوعي بفوائد الصبار البيئية والاقتصادية.

التوازن بين الجهود الفردية والمجتمعية والحكومية:
لا يمكن ضمان مستقبل “الهندية” إلا بتضافر الجهود الفردية والمجتمعية والحكومية. يجب على الجميع، من مزارعين وأفراد المجتمع وحكومات، العمل معًا لضمان حماية هذه النبتة الهامة.

مسؤوليةٌ مشتركةٌ لحماية البيئة:
تقدير الطبيعة والاهتمام بها واجبٌ أخلاقيٌّ يقع على عاتق الجميع. علينا أن نتعلم من أخطائنا ونعمل معًا لحماية البيئة والمحافظة على مواردنا الطبيعية. الإهمال ليس خيارًا، بل يجب أن يكون هناك التزام جماعي لحماية “الهندية” واستعادة عافيتها.

الحلول البديلة: مناقشة حلولٍ بديلةٍ لمكافحة الحشرة القرمزية، مثل استخدام المبيدات الحشرية العضوية أو الأساليب البيولوجية.
التأثيرات الاجتماعية: مناقشة التأثيرات الاجتماعية لأزمة الحشرة القرمزية على المزارعين والمجتمعات المحلية.
المستقبل: مناقشة مستقبل نبتة الصبار في المغرب في ظل التحديات الحالية.

“الهندية” نبتةٌ رمزيةٌ للمغرب، تُجسّد الصمود في وجه الظروف الصعبة. بفضل خصائصه الفريدة، قد يصبح التين الشوكي من أهم محاصيل المستقبل لمجابهة التغيرات المناخية. حان الوقت لِنتّحد ونُبادر لحمايتها من الإهمال والآفات، ونُحافظ على ثروتنا الاقتصادية والبيئية. بالتعاون والتوعية والابتكار، يمكننا ضمان مستقبلٍ مشرقٍ لهذه النبتة الحيوية، وتحقيق التوازن بين الإنسان والطبيعة.
– للأسف، سيفتقد المغاربة المقيمون في الخارج هذه الفاكهة هذا العام كما في العام السابق، مما يبرز أهمية الجهود المستمرة لمكافحة هذه الآفة واستعادة عافية محصول التين الشوكي.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق