الطريقة القادرية البودشيشية طريقة صوفية مغربية، يوجد مقرها في قرية مداغ بإقليم بركان شرق المغرب في منطقة قبائل بني يزناسن. تنتسب إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني الذي ظهر في القرن الخامس الهجري. أما لقب البودشيشية، فقد اكتسبه بواسطة الشيخ علي بن محمد الذي حمل لقب «سيدي علي بودشيش» لكونه كان يطعم الناس أيام المجاعة -طعام الدشيشة – بزاويته. وتميزت الزاوية البودشيشية بتعاليمها التي تدعو إلى الوسطية والتسامح والتعايش السلمي بين المختلفين، كما أنها تعمل على توطيد العلاقات بين الدول المجاورة وتعزيز الروابط الثقافية والاجتماعية بينها.
وتعد الزاوية البودشيشية أيضًا مركزًا للتعليم الديني والثقافي، حيث يتم تدريس القرآن الكريم والحديث الشريف والفقه الإسلامي والتصوف والفلسفة والعلوم الشرعية. وتشتهر الزاوية بمدرستها الصوفية الشهيرة التي تعتبر واحدة من أهم المدارس الصوفية في المغرب.وتمتلك الزاوية البودشيشية مكانة هامة في المجتمع المغربي، حيث يلجأ إليها الكثيرون للحصول على الدعم الروحي والنفسي والعلاج من المشاكل الصحية والنفسية. وتشتهر الزاوية بالعديد من الممارسات الدينية والشعبية مثل الحجامة والزيارة الصوفية والمولدات النبوية.
ومن المؤثرات الرئيسية للزاوية البودشيشية على المجتمع المغربي هي تأثيرها على النسيج الاجتماعي والثقافي في المنطقة، حيث تعمل الزاوية على تعزيز التعايش السلمي بين المختلفين وتعزيز القيم الإنسانية والروحية في المجتمع. وتعتبر الزاوية البودشيشية قوة مؤثرة في التواصل بين المجتمعات المختلفة في المغرب وبين الدول المجاورة، ويحرص الكثيرون على زيارتها والتعرف على تاريخها وتعاليمها المتميزة.
وعلى الرغم من أن الزاوية البودشيشية تعاني من بعض التحديات والصعوبات في الوقت الحالي، إلا أنها لا تزال تحتفظ بمكانتها الهامة في المجتمع المغربي وتعمل على تعزيز القيم الروحية والإنسانية في المنطقة وخارجها.
تعتبر الزاوية البودشيشية من أكبر الأزهار الصوفية في المغرب، حيث تجذب الزاوية عددًا كبيرًا من الزوار والحجاج من داخل المغرب وخارجه، خاصة في المناسبات الدينية والاحتفالات الروحية. وتعتبر زيارة الزاوية البودشيشية من الأمور التي يقصدها الكثيرون من المسلمين لتجديد الروحانية والعبادة.
شيوخ الطريقة
من بين شيوخ الطريقة القادرية البودشيشية في المغرب الشيخ سيدي احمد بن عليوة والشيخ سيدي المختار بن محي الدين (ت 1914) والشيخ سيدي أبو مدين بن المنور (ت 1955). الذي أخرج الطريقة من مرحلتها التبركية إلى السلوك التربوي، وقد حصل على الإذن بالتربية الذي حصَّله بعد بحث ومجاهدة روحية شاقة.
وقد تابع بعده هذه الوظيفة التربوية كل من سيدي الحاج العباس ثم ابنه سيدي حمزة وسيدي جمال باعتبارهم الوارثين الروحيين لسيدي أبي مدين؛ وقد عملوا على تجديد الطريقة فانتشرت انتشارا متميزا.
فقبيل وفاة سيدي أبي مدين سنة 1955، أبلغ سيدي العباس أنه وارث سره، وقد كان هذا الأخير مثالا للتواضع ونكران الذات فلم يعلن هذا الأمر، واستمر في خدمته للطريق سنوات، إلى أن اضطر إلى الاضطلاع بمهام ومقتضيات المشيخة.
وقد كان سيدي حمزة ابن العباس مؤهلا ومأذونا من قبل سيدي أبي مدين للقيام بمهام التربية والإرشاد، كما أكد ذلك والده سيدي العباس؛ إلا أنه بقي مريدا لوالده تأدبا معه وامتثالا لإشارته في إخفاء الأمر حتى يحين وقته. وبعد وفاة سيدي العباس سنة 1972 أصبح سيدي حمزة شيخ الطريقة المربي كما نصَّت على ذلك وصية سيدي العباس المكتوبة والموقع عليها من قبل كبار الطريق آنذاك.
منهاج التربية الروحية
لعل ما يميز الطريقة القادرية البودشيشية، هو أثر الإذن التربوي الخاص الذي يظهر على مريديها، والمناخ الروحي الذي يحيون فيه بتوجيهات الشيخ سيدي حمزة ورعايته القلبية لهم.
لمّا كان كل شيخ مرب يختار من وسائل التربية ما يناسب عصره، وكان طابع هذا العصر هو اشتداد الغفلة وطغيان المادة، فقد نهج سيدي حمزة سبيل التحبيب والتيسير بدلا من التشديد والتنفير، فسار يأخذ بيد تلاميذه ليتذوقوا حلاوة الإيمان فيتخلوا تلقائياعن كل عصيان.
وفي هذا الإطار يقول سيدي حمزة «إن من أهل الله من يدعو إلى التخلي قبل التحلي، ومنهم من يدعو إلى التحلي قبل التخلي. ودعوتنا تبدأ بالتحلي ثم التخلي. ومعنى التحلي تذوق حلاوة كل عبادة، والنفوذ إلى أسرار كل قربة يتقرب بها إلى الله، وتذوق الحلاوة يقابله وجود المرارة أو انعدام الطعم، وما لا طعم له لا يترك إلا لما هو حلو، وما هو أحلى يقدم على غيره. وهكذا تتفاضل الأعمال حسب أثرها في ذوق الإيمان، إلى أن يجد المدعو نفسه قد تخلى عن كل عمل قبيح، وتلبس بكل عمل مليح، عن طريق الذوق والتجربة المعيشة، وليس بمجرد التخمين والتقليد».
ويقول كذلك إن «دعوتنا تبدأ من القلب، فإذا صلح القلب، هان ما يليه من الجوارح، وإذا بقي فساده، فلا عبرة بالمظاهر» إنما يتقبل الله من المتقين«، فكم من مصلّ ليس له من صلاته إلا الركوع والسجود، وكم من صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش، ومن لا يستطيع أن يصلح قلبك، ويوجهه إلى الله عز وجل، ويداوي أمراضه وأسقامه، لا عبرة عند المحققين بدعوته».
لذلك يحتل إصلاح القلب الركن الأساسي في هذا المنهاج التربوي الرباني. فالقلب أشبه بالغرفة المظلمة، إذ لا يمكن ترتيب متاعها وتنظيفه إلا بعد إضاءتها بإشعال النور فيها أولا، وهذا هو أسلوب سيدي حمزة في التربية الروحية.