توحيد خطب الجمعة بالمغرب: تناقض صارخ مع التوجهات الملكية

28 يونيو 2024
توحيد خطب الجمعة بالمغرب: تناقض صارخ مع التوجهات الملكية

بقلم: المرتضى إعمراشا

في القلب النابض للفقه الإسلامي يترسخ مبدأ الاجتهاد، الذي يحث على التفكير المستقل والتجديد في تفسير النصوص وتطبيقها على السياقات الحياتية المتغيرة. لكن في ظل الخطط الحالية لتوحيد خطب الجمعة، يبدو أن هذا المبدأ يتعرض للانتقاص. إذ يُقيّد هذا التوجه من قدرة الخطباء على الاستجابة للقضايا المحلية والتحديات الفريدة لكل مجتمع. فالفقه الإسلامي يشدد على أهمية تأمل الظروف الاجتماعية المحلية وتغييراتها عند تبيان الأحكام الدينية، وهذا الجانب يغيب في حال تبني خطبة موحدة.

من الأمثلة التاريخية التي تبرز أهمية التنوع والاجتهاد، قصة الإمام مالك بن أنس مع الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور. حينما حاول الخليفة فرض كتاب “الموطأ” كمرجع فقهي موحد، رفض الإمام مالك هذا الاقتراح بحزم، مؤكداً على أن الناس قد سبق لهم التعامل مع التباينات في آراء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأن هذا التنوع لا ينبغي تجاهله بل يجب الاستفادة منه.

إذا كانت خطوة تعميم الخطبة الموحدة قد أثارت جدلاً واسعاً، فإنها أيضاً تتناقض بوضوح مع التوجهات الملكية الرامية إلى تعزيز اللامركزية والجهوية الموسعة. فمنذ سنوات، يدعو الملك محمد السادس إلى إعطاء الجهات المحلية صلاحيات أكبر في اتخاذ القرارات التي تخدم احتياجات سكانها وتعزز مشاركتهم في إدارة شؤونهم. بالتالي، يمثل تعميم الخطبة الموحدة تقييداً لهذه الصلاحيات المحلية ويمكن أن يكون خطوة نحو ترسيخ سلطة مركزية تسيطر على مضمون خطب الجمعة في جميع أرجاء المملكة، متجاهلة الاختلافات والاحتياجات المحلية المتنوعة.

يجب علينا النظر في خيارات بديلة تعزز دور المجالس العلمية المحلية بدلاً من التفكير بإلغائها أو تقليص دورها، بحيث يكون لها دور فعال في تحديد مضامين الخطب بناءً على الواقع المحلي والاحتياجات المجتمعية. كما يمكن تحديث التوجيهات العامة التي تُقدم للخطباء بدلاً من فرض خطب موحدة، مما يسمح لهم بالابتكار في تناول القضايا بأساليب متنوعة ويعزز من قدرتهم على التفاعل مع الجمهور بشكل فعال.

في الختام، يجب أن تكون خطوة تعميم الخطبة الموحدة موضع نقاش عام وشامل، يشمل أصحاب المصلحة والمجتمع المدني والعلماء. إن تبني نهج تدريجي واستشراف الآثار المحتملة لهذه الخطوة يمكن أن يساهم في اتخاذ قرار متوازن يحفظ التنوع المجتمعي ويحقق الاستقرار الديني والاجتماعي في المملكة.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق