حوار بلس – متابعة المرتضى إعمراشا – توقع خبراء أمنيون هولنديون أن تسبب قضية التجسس التي تورط فيها موظف بالمكتب الوطني لمكافحة الإرهاب، من أصل مغربي، في توتر جديد في العلاقات الدبلوماسية الثنائية بين هولندا والمغرب، وذلك على خلفية جلسة المحاكمة التي انطلقت أمس الثلاثاء لمحاكمة السيد ع. م، البالغ من العمر 64 سنة، والمتهم بتسريب وثائق سرية إلى المغرب.
وفي هذا الصدد، صرح ويليمين إيردتس، الباحث في مجال الاستخبارات بجامعة ليدن للبرنامج الإذاعي الإخباري NPO Radio 1 Nieuws en Co : “في الماضي كانت هناك حالات تم فيها ترحيل دبلوماسيين بعد هذا النوع من الوقائع”، ونعتقد أن المناقشات قد جرت بالفعل حول هذا الأمر، “لكن أعتقد أنه لا يزال من السابق لأوانه الإدلاء بأي تصريحات حول ذلك الآن”.
ولأن المحاكمة قد بدأت للتو، فلا يُعرف إلا ما شاركته النيابة العامة في مرافعتها من ادعاءات، ولم يدل المشتبه به بتصريح بعد لتمسكه بحقه القانوني في التزام الصمت. ومن الواضح أن المشتبه به كان يعد وجهاً معروفاً في مبنى المكتب الوطني لمكافحة الإرهاب. وبصفته محللا في قضايا مكافحة الإرهاب والتطرف، فقد تمكن من حضور عدد من الاجتماعات والمشاورات.
ابتزاز
وكان بحوزة المشتبه به مئات الوثائق تعود لوكالة الاستخبارات الهولندية AIVD وعشرات من الوثائق تعود لجهاز المخابرات العسكرية MIVD، والتي ربما كان يريد يريد نقلها إلى جهاز الأمن المغربي، وفق ما رافعت به النيابة العامة، مدعية أن الاتصال بين المتهم وجهاز المخابرات المغربي الخارجي قد يعود إلى عام 1995.
وما تزال أسباب قيام المشتبه به بهذا العمل غير واضحة. وبحسب محاميه، فإن المتهم يلتزم الصمت بسبب واجبه في الحفاظ على السرية. يقول الباحث إيردتس: “من الواضح أننا لا نعرف الكثير عن هذه القضية بعد. وإذا نظرت إلى الأدبيات العلمية حول التجسس فهناك عدة أسباب تدفع الناس إلى ارتكاب أفعالهم: المال هو أحد هذه الأسباب، وأحيانًا الشرف وأيضًا الأيديولوجية”.
وفي حالات مماثلة، تعرض الموظفون أحيانًا للابتزاز، على سبيل المثال إذا كانت عليهم ديون القمار، كما تقول أستاذة التاريخ والخبيرة الأمنية بياتريس دي خراف. وتؤكد أيضًا أنه ما يزال هناك الكثير مما لا نعرفه عن هذه القضية. على سبيل المثال، من الممكن أن يكون ع.م. قد تعرض لضغوط، أو ربما يكون عميلا لدى الحكومة المغربية منذ البداية.
والوثائق التي تم العثور عليها بحوزته لن تكون بالغة الخطورة، مثل المعلومات المتعلقة بالعمليات الاستخباراتية الجارية في الوقت الراهن.
المؤرخة بياتريس دي خراف
وقد ثبت أن إحدى الوثائق التي كانت بحوزة المتهم هي عبارة عن تحليل أجراه مكتب الاستخبارات الهولندي منذ عام 2021 حول أنشطة المخابرات المغربية في هولندا، والذي لا يزال جاريا. تقول دي خراف: “المغرب بلد يحاول الحفاظ على سيطرته على أهداف محتملة في الخارج؛ وهو متهم بتتبع الناشطين المغاربة في مجال حقوق الإنسان، على سبيل المثال”.
“علاوة على ذلك، يعد المغرب رائدا في شمال إفريقيا والبحر الأبيض المتوسط في مجال الحرب ضد الإرهاب، والعديد من الإرهابيين في هولندا لديهم خلفية مغربية. وقد تم أو سيتم ترحيل عدد منهم إلى المغرب. والخوف السائد بين هؤلاء المعتقلين هو أنهم سينتهون في أيدي الأجهزة الأمنية [المغربية)التي تعرف كل شيء عنهم بالفعل”.
أسرار كبيرة
لم يتم التحقيق بعد في كل ما تمت مصادرته من وثائق من المشتبه به، وهي تقدر بأكثر من 46 تيرابايت من المعلومات على حاملات البيانات الموجودة معه. وتقول دي خراف إن الوثائق التي أخذها معه لن تكون من الأسرار المهمة التي يتوفر عليها جهاز المخابرات.
من المفترض أن التحليلات المحررة يمكن العثور عليها بشكل أساسي في مبنى المكتب الوطني لمكافحة الإرهاب. “إذا ذهبت وثائق من أجهزة المخابرات إلى مبنى المنسق الوطني لمكافحة الإرهاب، فستكون الأجهزة حذرة. ولن تكون وثائق غاية الأهمية، مثل المعلومات حول العمليات الاستخباراتية الجارية”.
دولة شبه استبدادية
توضح دي خراف أن قيام دولة ما بالتجسس في دولة صديقة أمر لا يتم رسميًا. “رسميًا، عليك الإبلاغ عن ذلك إذا كنت تدير عملية في بلد حليف”، وتستشهد بذلك بعمليات المخدرات والتحقيقات في الشبكات الإرهابية كأمثلة.
“عليك الإبلاغ عن ذلك. لكن هذا لا يحدث دائما. فالولايات المتحدة كثيرا ما قامت بعمليات دون الإبلاغ عنها في هولندا. وفي هذه الحالة، لم يتمكن المغرب مطلقا من الإبلاغ عنها، لأنها كانت عملية موجهة ضد هولندا”، حسب زعم المؤرخة.
وترى دي خراف أنه من شبه المستحيل أن تقوم هولندا أيضًا بسرقة وثائق بهذه الطريقة في المغرب. “المغرب دولة شبه استبدادية، وليست ديمقراطية منفتحة مثل هولندا. الناس يولون اهتماما أكبر هناك. بل ويقال إن المغرب لديه أقوى جهاز أمني في كل شمال أفريقيا”.
يد واحدة خلف الظهر
وبحسب دي خراف فإن الديمقراطية المنفتحة تحارب “بيد واحدة خلف ظهرها”. “أنت في الواقع دائما في وضع غير موات. لكن السؤال هو، إذا تبين أن كل هذا صحيح: ما مدى الضرر الذي قد يلحقه هذا الأمر بهولندا في نهاية المطاف؟ وهذا قد يعرض الهولنديين الذين يحملون جواز سفر مغربي على وجه الخصوص للخطر”.
هذا، وستعقد الجلسة القادمة لمناقشة هذه القضية في مايو القادم. وعلى أية حال، سيبقى المشتبه به. ع.م رهن الاعتقال حتى ذلك الحين.