صدى الروح : العمل التطوعي – دين وهوية – .. !

30 مارس 2023
صدى الروح : العمل التطوعي – دين وهوية – .. !
المرتضى إعمراشاً

تعريف العمل التطوعي :

” التطوع هو عمل اجتماعي إرادي غير ربحى، دون مقابل أو اجر مادي، يقوم به الأفراد أو الجماعات من أجل تحقيق مصالح مشتركة أو مساعدة وتنمية مستوى معيشة الآخرين، من جيرانهم أو المجتمعات البشرية بصفة مطلقة. سواء كان هذا الجهد مبذولاً بالنفس أو بالمال. وهو حركة اجتماعية تهدف إلى تأكيد التعاون وإبراز الوجه الإنساني والحضاري للعلاقات الاجتماعية وإبراز أهمية التفاني في البذل والعطاء عن طيب خاطر (بدون إكراه أو إجبار) في سبيل سعادة الآخرين. يعبر عنه في بعض المجتمعات كانعكاس لوعي المواطن وإدراكه لدوره في المجتمع وبالتالي انتمائه لهذا المجتمع..”.
أصبح العمل التطوعي ركيزة أساسيةً من ركائز الحياة الإجتماعية عند الشعوب المتقدمة ويقاس وعي المجتمع ومدى سموه الأخلاقي بما يبذله لخدمة الصالح العام وخَلق جو أفضل للحاضر والمستقبل ، وتولي الحكومات و جمعيات المجتمع المدني أهمية كبيرة للأعمال التطوعية لما تكتسيه من صبغة إنسانية رفيعة ، كما أن المنظمات الدولية ممثلة في -الجمعية العامة للأمم المتحدة- أقرت في السنين الأخيرة مجموعة من التوصيات المتعلقة بتعزيز العمل التطوعي خاصة بعد دخول العالم الألفية الثالثة بعد الميلاد إذ تم الإعتراف به بوصفه أحد أهم الأعمال الإنمائية ، وتم تحديد يوم عالمي للتطوع المعروف إختصاراً بـ : ” IVD ” ، والذي يقام كل 5 ديسمبر ، كما نجد أن بلداناً كثيرة خصّصت يوما وطنيا تواكبه الهيئات الرسمية والمحطات الإعلامية من أجل تحفيز المجتمع على إعادة النهوض بالعمل التطوعي ، وتشير الإحصائيات في هولندا مثلا التي خلدت اليوم الوطني للتطوع قبل أيام – 21 مارس – إلى أن ما معدله 44%  من السكان أي حوالي خمسة ملايين ونصف نسمة من الهولنديين يشتغلون في ميادين العمل التطوعي ، حيث يشارك الجميع في خدمة الفرد والجماعة حتى كبار الشخصيات ورموز البلد بدون مقابل ..
– التطوع – دين وهوية :
لقد رسّخت قيمنا الدينية وهويتنا الثقافية العمل التطوعي على مر السنين وألبسته ميادين شتى نراها في محيطنا بالمدن والقرى ، ولا زالت بلادنا بحمد الله تحافظ على موروثها في هذا الجانب بحيث نرى خاصة في القرى  المغربية  نموذج التعاون ” ثويزا ” الذي هو أحد أبرز تجليات العمل التطوعي حيث يجتمع أهالي القرية على مساعدة بعضهم البعض في ميادين الفلاحة والعمارة كالحرث والحصاد و وحفر الآبار و البناء بدون مقابل ، لكن هذا التراث مهدد بالإندثار بسبب إبتعاد كثير منا عن التشبث بقيمه المجتمعية الأصيلة بتأثير الحضارة المادية والزحف العمراني ، والذي يستدعي منا وقفة جادة كيما نخسر هذا الإرث الثمين الذي أصبح اليوم يأخذ بعدا عالمياً لإسهامه في تحريك عجلة النمو في المجتمعات ،  كما أننا نجد أن رصيدنا الديني غني بعشرات النصوص -قرآناً وسنة – حاثةً على العمل التطوعي والمبادرة خدمةً للمجتمع ، بل جعله الإسلام علامة أساسية على صحة إيمان الفرد وتقواه ،  وحمل الجماعة مسؤولية معاناة الفرد فيهم كما في حديث (..وَأَيُّمَا أَهْلُ عَرْصَةٍ أَصْبَحَ فِيهِمْ امْرُؤٌ جَائِعٌ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُمْ ذِمَّةُ اللَّهِ تَعَالَى ).
– وتعاونوا على البر والتقوى :
يقول الإمام القرطبي المالكي – رحمه الله – في تفسير قوله تعالى: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ﴾ ، هو أمر لجميع الخلق بالتعاون على البرِّ والتقوى؛ أي: لِيُعِنْ بعضُكم بعضًا، وتحَاثُّوا على أمر الله – تعالى – واعمَلوا به، وانتهوا عما نهى الله عنه، وامتنعوا منه، وهذا موافق لِما روي عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: ((الدالُّ على الخير كفاعله)) ، وقد قيل: الدال على الشرِّ كصانعه، والتعاون على البر والتقوى يكون بوجوه؛ فواجبٌ على العالِم أن يعين الناس بعلمه فيعلِّمهم، ويعينهم الغني بماله، والشجاع بشجاعته في سبيل الله، وأن يكون المسلمون متظاهِرِين كاليد الواحدة؛ ((المؤمنون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتِهم أدناهم، وهم يد على من سواهم)) ، ويجب الإعراضُ عن المتعدي، وتركُ النصرة له، وردُّه عما هو عليه؛) الجامع لأحكام القرآن، 6/46-47).) .
ويقول ابن خلدون في مقدمته (1/429) : “الإنسان قد شاركته جميعُ الحيوانات في حيوانيَّتِه من الحس، والحركة، والغذاء، والكنِّ، وغير ذلك، وإنما تميَّز عنها بالفكر الذي يهتدي به لتحصيل معاشه، والتعاون عليه بأبناء جنسه، والاجتماع المهيئِ لذلك التعاون..) .
وقال سبحانه في سورة الزخرف : (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ) ، قال العلامة الطاهر بن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير : ” أي لما قسمنا بين الناس معيشتهم فكانوا مسيرين في أمورهم على نحو ما هيأنا لهم من نظام الحياة وكان تدبير ذلك لله تعالى ببالغ حكمته ، فجعل منهم أقوياء وضعفاء ، وأغنياء ومحاويج ، فسخر بعضهم لبعض في أشغالهم على حساب دواعي حاجة الحياة ، ورفع بذلك بعضهم فوق بعض ، وجعل بعضهم محتاجا إلى بعض ومسخرا له” اهـ .
إن مقياس إيمان الفرد ومدى بره ليس بكثرة صلاته ولا صيامه فقط ، وإنما أيضاً بمدى الإشعاع الذي يصدر به منه على محيطه ومجتمعه ، فوجود الإيمان في حياة الفرد يجب أن يكون باعثا على التغيير الإيجابي والتحرك الوجداني والعملي إلى القيام بما يجعل الحياة أفضل ، وقد جعل القرآن مسؤولية الفرد تنطلق منه إلى ما حوله  والأقربين منا فبدأ بالجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل ،  وكتب الإحسان على كل شيئ كما رواه مسلم.
– إماطة الأذى عن الطريق – خلق أهل الجنة – :
لا شك أن الأذى والقلق الذي نحس به في مدننا وقرانا يختلف حسب الزمان والمكان ، لذلك تختلف أساليب تعاملنا مع هذا الأذى ، وكل فرد يقوم بالتقليل منه أو القضاء عليه فهو يقدم خدمة إنسانية كبيرة لبني جنسه ويستدرّ رحمات الله عليه ، وكلنا يعلم حديث مسلم عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (الإيمان بضع وسبعون شعبة فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان ) ، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم حدثنا عن نموذج من نماذج الصالحين الذين لم يستحقوا شكر الناس فقط بعمل تطوعي قد نراه بسيطا ، إنما شكر الله سبحانه لهم ذلك كما روى مسلم أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على الطريق فأخره فشكر الله له فغفر له ) !
– الإسلام يغلق منافذ العذر للقادرين على التطوع :
إن الإسلام جعل الإنسان كفرد مسؤولا أمام نفسه عن كل حركة يخطوها بما وهبه الله من قدرة ولا يمكنه زكاة نفسه إلا بخدمة الصالح العام ففي الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(( إِنَّهُ خُلِقَ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْ بَنِي آدَمَ عَلَى سِتِّينَ وَثَلَاثِ مِائَةِ مَفْصِلٍ فَمَنْ كَبَّرَ اللَّهَ وَحَمِدَ اللَّهَ وَهَلَّلَ اللَّهَ وَسَبَّحَ اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ وَعَزَلَ حَجَرًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ شَوْكَةً أَوْ عَظْمًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ وَأَمَرَ بِمَعْرُوفٍ أَوْ نَهَى عَنْ مُنْكَرٍ عَدَدَ تِلْكَ السِّتِّينَ وَالثَّلَاثِ مِائَةِ السُّلَامَى فَإِنَّهُ يَمْشِي يَوْمَئِذٍ وَقَدْ زَحْزَحَ نَفْسَهُ عَنِ النَّارِ )) رواه مسلم .
وعن أبي ذر – رضي الله عنه – قال : سألت النبي – عليه الصلاة والسلام – : أي العمل أفضل ؟ قال : ( إيمان بالله ، وجهاد في سبيله ) قال : قلت : فأي الرقاب أفضل ؟ قال : ( أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها ) . قلت : فإن لم أفعل ؟ قال : ( تعين صانعا أو تصنع لأخرق ) . قلت : فإن لم أفعل ؟ قال : ( تدع الناس من الشر ; فإنها صدقة تصدق بها على نفسك ) . متفق عليه .
وأختم بأننا كمجتمعات لابد أن ندرك أن إنخراطنا الجاد جميعا أفراد وهيئات في تغيير واقعنا المتأزم هو السبيل الوحيد للرقي ببلداننا لتأخذ مصافّها أمام الدول المتقدمة كما قال ربنا : : ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) . وقال : (ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم ) .

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق