تعاني العائلات المغربية في الوقت الحالي من مشكلة عويصة تتمثل في ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة، حيث تواجه هذه الأسر صعوبة بالغة في تأمين احتياجاتها الأساسية، وخاصة في موسم الأعياد حيث يزيد الطلب وترتفع الأسعار.
تعتبر الأعياد مناسبة مميزة في حياة الكثيرين، إذ تمثل مناسبة للاحتفال واستحضار الأوقات الجميلة مع العائلة والأصدقاء. مع ذلك، فإن الأعياد يمكن أن تشكل تحدًيا كبيرًا للأسر المعوزة خاصة عيد الفطر، بعد أن تأتي مصاريف شهر رمضان على الأخضر واليابس بالجيوب والمطابخ. وقد ورد عن الإمام الشافعي بضع أبيات تصف الفقر والفقراء إذ قال:
يمشي الفقير وكل شيء ضده
والناس تغلق دونه أبوابها
وتراه مبغوضًا وليس بمذنبٍ
ويرى العداوة لا يرى أسبابها
حتى الكلاب إذا رأت ذا ثروة
خضعت لديه وحركت أنيابها
وإذا رأت يومًا فقيرًا عابرًا
نبحت عليه وكشرت أنيابها
تجد الأسر المعوزة نفسها أكثر عزلة وانكسارا وهي عاجزة عن رسم البسمة على الوجوه في هكذا مناسبة، بما في ذلك شراء الطعام والهدايا والثياب الجديدة للأطفال، وتتعرض لضغوط كبيرة في محاولة الاستجابة لتلك الاحتياجات، حيث إن الفاتورة التي يتعين دفعها تخترق غالبًا سقف إمكانياتهم المادية.
تشعر الأمهات بالتحديد بالإحباط والأسى عندما يتعذر عليهن تأمين مستلزمات العيد، ما يعرضهن للتأثر النفسي والعاطفي. ويؤثر هذا الضغط النفسي على صحتهن وعلاقاتهن مع أفراد الأسرة أو الجيران.
تقول فاطمة، وهي سيدة مغربية في الأربعينيات من العمر، عن تجربتها مع الفقر وقلة الحيلة: “أعيش مع زوجي وأبنائي في منزل صغير، ونعيش حياة أكثر بساطة مما تتخيل. أبحث دائماً عن وسيلة لمساعدة زوجي لجمع بعض الأموال لتلبية احتياجاتنا الأساسية واحتياجات أطفالي، ولكن للأسف لا أملك سوى مهارات بسيطة لا تساعدني على الحصول على وظيفة بدوام كامل”.
تعاني فاطمة كغيرها من نساء الطبقة المسحوقة طوال أيام السنة، لكن في مثل هذه المناسبات تجد نفسها في مواجهة الجدار عاجزة عن توفير حلوى العيد والملابس لأطفالها، وتضيف: “يفترض في يوم العيد أن يكون يوما مشهودا لأطفالي، لكني أشعر بالحزن لعدم تمكني من رسم البسمة على وجوههم. كرامتي تحول بيني وبين السؤال وعيون صغاري تحمل من الأسئلة ما لا طاقة لي بها”. ثم غالبها البكاء وهي تقول: مكنلقاش باش نجاوبهم ماللي كيقولو لي علاش حنا من دون الناس.”
يعيش إبراهيم في إحدى مدن الشمال المغربي، وهو يواجه يومياً تحديات كثيرة بسبب إعاقته البدنية منذ حادثة السير التي أصابته بالشلل وألزمته بيته لسنتين، ومع ذلك يحاول بكل جهده توفير الحياة الكريمة لعائلته، يقضي اليوم بطوله يتجول بأزقة بعض الأحياء الشعبية، ساحبا خلف كرسيه المتحرك صندوق سمك يعلوه الغبار والأتربة.
يتحدث إبراهيم عن تجربته في العيد، وكيف أنه يشعر بالقهر الشديد عندما ينظر لصغاره الحفاة، يقول: “عندي خمسة د العيال، خصهم ياكلو ويشربوا ويلبسوا ويتغطاو. رمضان والغلاء سالاو معايا، والبيع والشرا خصها واحد كيجري على الطرف د الخبز مشي كيجر الكروصة باش يجيب اللقمة لأولاده”.
يعرف إبراهيم تماماً كيف يشعر أطفاله في العيد وهم يشاهدون أقرانهم يرفلون في الثياب الجديدة، في الوقت الذي يكتفي صغاره بملابسهم القديمة النظيفة والمكوية بعناية. ويضيف: “هذا يجعلني أشعر بالضعف والعجز أكثر من عجزي الحالي، فأنا لا أستطيع النظر في عيون لا أعرف كيف أسعدها”.
التكافل والتآزر: أي دور للمجتمع والمؤسسات الخيرية؟
يمكن للأفراد والجمعيات الخيرية أن يلعبوا دورًا حيويًا في مساعدة العائلات الفقيرة في فترة العيد. يمكنهم تقديم الدعم المادي والعيني، وتوفير الثياب الجديدة والهدايا الرمزية للأطفال وتوفير المواد الغذائية وغيرها من الاحتياجات الأساسية لهم. بالإضافة إلى ذلك، يمكن تشجيع الناس على التفكير بطرق مبتكرة لتقديم المساعدة، مثل التبرع ببعض صحون الحلوى كعادة الأسر المغربية فيما مضى، أو التعاون لاقتناء الثياب الجديدة للجيران البسطاء خصوصا أولئك الذين يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف.. كما يجب على المجتمع بمختلف طبقاته أن يتحمل مسؤولياته في تقديم الدعم والمساعدة للأسر الفقيرة والمعوزة في هذه المناسبات السعيدة. يمكن للجميع المساهمة في هذا العمل الخيري، سواء من خلال التبرع بالملابس والهدايا الجديدة أو الأظرفة المالية لتمكين الأسر الفقيرة من شراء ما يحتاجونه في هذا الوقت.
كما يجب على المؤسسات الخيرية والجمعيات المحلية العمل بجدية على توفير الدعم والمساعدة للأسر الفقيرة والمحتاجة، وتنظيم حملات تبرع وجمع التبرعات وتوزيعها على هذه الأسر. كما يمكن للمؤسسات الخيرية والجمعيات المحلية تنظيم فعاليات خاصة بالأطفال الفقراء وتقديم هدايا لهم وإدخال البهجة والسرور في قلوبهم.