طالما كانت بادية الريف بسيطة جدا في نمط عيشها وتغيب فيها إلى حد بعيد الفوارق الاجتماعية، أغلب ساكنتها مرتبطة بفلاحة الأرض وبمنتوج فلاحي معيشي، كانت ساكنة الريف بالبادية يتعرفون على دخول رمضان عبر علاقات الجيران وعبر فقيه الدوار وكان شهر رمضان يمر بشكل عادي.
بالنسبة للذكور
يمارس الذكور صيامهم في صمت ويزاولون بشكل عادي عملهم الفلاحي طيلة النهار. أيام الجمعة يقصدون مسجد دوارهم لأداء صلاة الظهر ثم ينسحبون إلى أشغالهم اليومية بهدوء. وخلال أيام السوق الأسبوعي يقصدون السوق راجلين أو راكبين على ظهر دوابهم لبيع منتوجهم الفلاحي واقتناء مستلزمات بسيطة تخص شهر رمضان. وفي ليلة القدر يجدون أنفسهم ملزمين لزيارة بيت الله لأداء الصلاة وتناول عشاء جماعي بالمسجد.
بالنسبة للنساء
تواصل النساء أيضا طيلة شهر رمضان أعمالهن المنزلية داخل المنزل وفي الحقول ويستيقظن باكرا مع صياح الديك كعادتهن ويلبسن حزاما أحمر يساعدهن على الحركة وحمل الأثقال، بعد العصر، تنشغل النساء في تهييئ حريرة من صنعهن من المواد الفلاحية المحلية: شوربة إوزان تعد بأروع حريرة ويهيئن فطيرة طرية وما تيسر من الأكل البسيط. تطهى الأطعمة على المجمار فوق الفحم وكن يستيقظن وقت السحور قبل أزواجهن لتسخين ما تبقى من أكل الفطور ويقمن بإيقاظ أبنائهن أيضا لمشاركة نعمة السحور.
كانت النساء يضبطن بدقة أيام رمضان، فاليوم الأول قبل دخول رمضان يسمينه بـ: ” أمنسي نرنضان / عشاء رمضان”، أواسط رمضان يسمونها بـ: ” اتناصيفث” ويوم ليلة القدر يرسلن إلى مسجد دوارهن أطباق الكسكس المحلي وأطباق الدجاج.
بالنسبة للشباب
بعد الفطور يقصد شباب الدوار مقهى دوارهم أو مقهى بعيدة مشيا على الأقدام لتناول الشاي والتنغيمة مع السبسي ولعب الورق حتى يقترب وقت السحور.
ليلة القدر
خلال ليلة القدر يؤم ساكنة الدوار مسجدهم للصلاة وكانت النساء يقدمن للمسجد خلال هذه الليلة دجاجة بالمرقة مع خبز ساخن أو صحن كسكس من صنعهن الخاص. (هي مناسبة للأطفال للتجمع والاستفادة مما لذ وطاب).
يتم الإعلان عن توقيت الفطور بآذان المغرب من طرف فقيه الدوار.
وجبة الفطور كانت بسيطة جدا: حريرة عادية بدون قطع لحم يتم تناولها مع تين مجفف يخزن بالمنازل طيلة السنة، وبعد تناول الفطور بقليل تنتقل الأسر إلى تناول ما تيسر من عشاء. يتم التعرف على توقيت السحور بواسطة مصباح يشعله فقيه الدوار ويعلقه فوق سطح المسجد عاليا / بأجدير مثلا كان فقيه الدوار يسكن فوق قمة جبل (ثقيشّا) وكان يعلق المصباح فوق عمود بقمة الجبل كإعلان عن وقت السحور. أما طقوس أداء صلاة التراويح فكانت شبه غائبة.
يوم العيد
قبل العيد بيوم واحد تقوم الأسر بإخراج ” رفضّاث” عينا (وليس نقدا) من القمح أو من الشعير يتم قياسه بصندوق خشبي يسمى ” ذباگيث” . (ذباگيث من القمح أو الشعير لكل رأس من أفراد الأسرة)
يوم العيد تستيقظ النساء باكرا لإعداد الخبز وذبح ديك وإعداد الفطائر.
يقصد الآباء المسجد مع أبنائهم الكبار لأداء صلاة العيد. حين انتهاء صلاة العيد ينتشرون عبر منازل عائلاتهم لمباركتهم بيوم العيد بسرعة وينسحبون إلى منازلهم.
شهر رمضان بالبادية كان يغيب فيه الكسل ويغيب فيه التبذير وتغيب فيه كثرة الطقوس الحالية الدخيلة علينا بدون استئذان وكان الناس يمارسون فريضتهم بكل هدوء مع الإكثار من التكافل الاجتماعي. (يتبع).