في يوم تاريخي، رسم المواطنون الإسبان، في اقتراع 23 يوليو الجاري، صورة ضبابية لمستقبل بلادهم السياسي. فنتائج هذا الاقتراع أظهرت كم إسبانيا منقسمة على نفسها. وعلي الرغم من تحقيق حزب الشعب الحاكم (PP) الفوز، إلا أنه لم يحصل على عدد كافٍ من المقاعد لتشكيل الحكومة. ومع تعافيه قليلا مقارنة بانتخابات عام 2019. إلا أن الـ 136 مقعدًا المحصّل عليها ليست كافية لحكم البلاد. يفتح هذا المشهد الباب أمام تحديات سياسية للحزب الذي يتعين على زعيمه اليوم أن يبحث عن تحالفات وتوافقات لا بد منها، إن أراد أن يشكل حكومة مستقرة.
فرحة حزب الشعب، الذي يتبنى الأيديولوجية المحافظة، بالانتصار، تلاشت بعض الشيء في ظل حقيقة عدم تحقيق الأغلبية المطلقة في مجلس النواب. بـ 136 مقعدًا حصل عليها، يبقى الحزب بعيدًا عن الرقم السحري 176 المطلوب للحكم بمفرده. هذا يفتح الباب أمام سلسلة من التحديات السياسية للحزب الذي يقوده ألبرطو نونييث فايخو Alberto Nuñez Feijoo .
الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني (PSOE)، الذي يقوده رئيس الحكومة الحالي بيدرو سانشيز، أبدى رضاه عن النتيجة، حيث تمكن من تقليص الأضرار، بل وكسب بعض المقاعد مقارنة بالانتخابات السابقة. إلا أن هذه النتائج وحدها لا تكفي لإسقاط حزب الشعب، وبالتالي فإن الحزب الاشتراكي عليه أن يتحلى بمرونة سياسية قوية، قادرة على الحفاظ على موقعه في المشهد السياسي الإسباني. ستكون قدرة بيدرو سانشيز على التفاوض لتشكيل تحالفات سياسية، أمرًا حاسما لتحديد مستقبل الحكومة.
من ناحية أخرى، جاءت خسارة حزب اليمين المتطرف فوكس VOX لتسعة عشر مقعدًا مقارنة بانتخابات عام 2019، واحدة من أكبر المفاجآت التي أسفرت عنها صناديق الاقتراع. ما يعني أن هذا الحزب بدأ ينتكس بعد أن شهد نموًا مطردًا في السنوات الأخيرة. التحدي الذي يواجهه فوكس اليوم، هو استكشاف أسباب تخلي الناخب الإسباني عنه، وإعادة صياغة استراتيجية سياسية تمكنه من الاستمرار في التواجد ضمن المشهد السياسي الوطني.
أما تحالف الأحزاب التقدمي سومار Sumar فقد حصل على 31 مقعدًا، أقل بقليل من سلفه Unidas Podemos قبل أربع سنوات. وعلى الرغم من عدم تحقيقهما للنجاح المتوقع، فإن هذا التحالف يمثل بديلاً سياسيًا مهمًا، بحيث يقدّم نفسه كخيار لتشكيل أغلبيات تقدمية في مجلس النواب. سيكون دورهما في تشكيل الحكومة أمرًا أساسيًا، وقد يكون داعمًا أساسيًا للحزب الاشتراكي أو حتى حلقة رئيسية في تحالف أوسع.
المشهد السياسي ما بعد الانتخابات غامض وملتبس. فهل تنقذه التفاوضات والتوافقات التي يبدو أنها حتمية؟ هل تترك الأحزاب خلافاتها جانباً لتحقيق هذه التوافقات وتشكيل حكومة مستقرة والعمل من أجل مصلحة المواطنين؟
ستكون الأسابيع القادمة حاسمة لمعرفة شكل وطبيعة التحالفات التي ستتم في مجلس النواب، وكذلك لتحديد أي حزب أو تحالف سيقود مستقبل البلاد. ولتحقيق ذلك، من الضروري أن يتصرف القادة السياسيون بمسؤولية وغلبوا المصلحة العامة على المصالح الحزبية. تتطلب الحالة الراهنة الحوار والتوافق والالتزام للتصدي للتحديات التي تواجه إسبانيا، بدءًا من التعافي الاقتصادي وتعزيز الرفاهية وتقويتها والاهتمام بالمطالب الاجتماعية.
الشعب الإسباني قال كلمته عبر صناديق الاقتراع، والآن جاء دور القادة السياسيين ليكونوا في مستوى التحديات، ويتصرفوا وفق ما تقتضيه الظروف، ومحاولة تجاوز التعقيدات المتعددة والعمل من أجل بناء مستقبل مزدهر ومستقر لجميع الإسبان. حان الوقت لوضع الخلافات جانباً والتركيز على المصلحة العامة، وإثبات أن السياسة يمكن أن تكون وسيلة للتغيير الإيجابي ورفاهية المواطنين.