فكري سوسان: إسبانيا والمغرب .. نظرة هادئة من المغرب

30 يوليو 2023
المغرب - إسبانيا

إسبانيا .. هذه الجارة التي طبعت مخيال المغاربة، وأثرت في تاريخهم وتأثرت به. فمنذ القدم، يثير ذكر إسبانيا، أو “سبّانيا” كما نسميها، مزيجا من المشاعر والذكريات في العقل المغربي. حتى وإن كان الماضي المشترك لبلدينا يشهد فترات اضطراب أحيانا، فإنه أيضا مصدر لمتانة الروابط الثقافية والإنسانية.

في التاريخ الحديث، تصادفنا مصطلحات كـ”المسألة المغربية” (“La cuestión de Marruecos أو “حرب المغرب” ((La guerra de Marruecos أو “حرب الريف” (La guerra del Rif)؛ وهي أحداث لا يزال صداها يتردد في ذاكرة العديد من المغاربة. لكن كم عدد الإسبان الذين تساءلوا، أو يتساءلون، عما تعنيه إسبانيا حقا للمغاربة على مر القرون؟

العلاقات المعقدة، العلاقات التي تمر بحالات المد والجزر، العلاقات التي تتباعد لتقترب أكثر، هي العلاقات التي تقاوم الأعاصير وتخلف أعمق الأثر لدى الشعوب.

مضيق جبل طارق، الذي يفصل بين قارتي أوروبا وإفريقيا، أي يفصل بيننا وبين الإسبان، لا يتجاوز بساطه المائي 14 كيلومترًا. هو بساط يعبر عن مدى القرب بيننا. لكن كثيرا ما يتم نسيانه.  غير أن هذا “القرب” الجغرافي، يتحول إلى “عالم” مجهول. معظم الإسبان يعتبرون المغرب “عالما” آخر، عالما مختلفا.

المغرب أمة ذات تاريخ موغل في القدم، أنتجت ثقافة غنية ومتنوعة امتدت أجنحتها من الغرب الإسلامي نحو شرقه، ومن شمال إفريقيا نحو أوروبا. وكذلك إسبانيا، بتراثها الأوروبي الغني وماضيها الذي تميز بالتعايش مع المغاربة لمدة ثمانية قرون.

العلاقات المعقدة، العلاقات التي تمر بحالات المد والجزر، العلاقات التي تتباعد لتقترب أكثر، هي العلاقات التي تقاوم الأعاصير وتخلف أعمق الأثر لدى الشعوب.

من الأهمية بمكان أن نفهم أن إسبانيا والمغرب يشتركان في تراث ثقافي وديني، مرتبط بالتاريخ، ولا ينبغي الاستهانة به. خلف وجود الحضارة الإسلامية في شبه الجزيرة الإيبيرية إرثا دائما في العمارة والفن والأدب الإسباني. في الوقت نفسه، تأثر المغرب بالثقافة الأوروبية عبر قرون من التفاعل الإيجابي، مما خلق تقاربا ثقافيا فريدا وثريا.

ومع كل هذا الإرث التاريخي الجامع، فغالبا ما يطفو “سوء الفهم” على السطح، ومن الجانبين. التحيزات والاستقطابات والقوالب النمطية الجاهزة، غالبا ما تقف في طريق التفاهم المتبادل والصداقة الأقوى. لقد حان الوقت لننظر إلى أنفسنا بعيون جديدة، ونتغلب على ظلال الماضي ونتطلع إلى مستقبل من التعاون والتفاهم.

من الضروري النظر إلى ما وراء الاختلافات، والتركيز على الفرص التي يوفرها قربنا الجغرافي. فالتحديات تقتضي التعاون على أساس الثقة والاحترام. فقضايا الهجرة والتجارة والأمن والتعاون الثقافي، لا تحتمل مزيدا من الانتظار.

ذات مرة، نصحنا الدبلوماسي الإسباني اللامع ألفونسو دي لا سيرنا قائلا بأنه يتعين علينا ترك الصور المضللة القديمة وراءنا، لرؤية واقع جيراننا الإسبان. ويمكننا معا أن نبني علاقة متينة ومفيدة تعكس التقارب الحقيقي القائم بين شعوبنا وأممنا. لن يكون التعاون والصداقة بين إسبانيا والمغرب مفيدا لكلا الجانبين فحسب، بل يمكن أن يكونا أيضا مثالا ملهما لكيفية التغلب على الحواجز وإقامة علاقات ذات مغزى في عالم مترابط بشكل متزايد.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق