محمد أزرقان: يوميات مهاجر إلى هولندا (36)

29 مايو 2024
محمد أزرقان: يوميات مهاجر إلى هولندا (36)

بعد أن ودعت الأصدقاء في المحطة مستقلين الحافلة باتجاه مدينة الحسيمة، قصدت مطعم الموسم قرب المقهى التي كنا جالسين فيها لتناول وجبة العشاء. هذا المطعم هو المطعم المفضل لدي، لكم تناولت فيه وجبات الطعام اللذيذة أيام الدراسة في هذه المدينة. غادرت مدينة وجدة بالقطار قاصدا مدينة طنجة في زيارة الوالدة التي كانت تنتظرني بفارغ من الصبر لتفرح معي بمناسبة نجاحي وتنعم بقربي.

كان الوقت باكرا عندما حطني القطار في مدينة طنجة. وكانت الوالدة جالسة في غرفتها الطابق السفلي، تنتظرني، سعيدة أيما سعادة. لاحظت ذلك على وجهها النحيف، نسيت أوجاع مرضها في اليوم الذي استقبلتي فيه. ما زلت أتذكر ما قالته لي أول ما وصلت:

 أمنيتي منذ البداية أن توفق في دراستك ومستقبلك، وظني أن بوادر هذه الأمنية بدأت تتحقق بحصولك على شهادة الثانوية العامة… ألم أقل لك إن الله لن يخيب أملك وطموحك!.. إلا أن هناك شيء يشغل بالي في هذه الأيام… هذه الأيام بالضبط!..

سألتها عن هذا الشيء الذي يشغل بالها في هذه الأيام!؟

أجابت بقولها: حلم رأيته في منامي!.. حقا لقد أخافني هذا الحلم!..

قلت:

فهلا كشفت لي عن سر هذا الحلم الذي أزعجك وأقض من مضجعك!؟

قالت:

رأيتك في المنام تبكي بكاء شديدا!.. لا تفتر عن البكاء!.. وعندما سألتك عن سبب بكاءك، أجبت بقولك: لا أريد إكمال الدراسة في الجامعة!.. لا أحبها ولا تروق لي!.. وكنت تصر على إعادة هذه الأقوال، رغم كل محاولاتي معك لتكف عنها وتحسن الظن بنفسك وبالله. ولكن كل محاولاتي باءت بالفشل!.. استيقظت مفجوعة مخلوعة والدموع في عيني. أصابتني الدهشة وغمرني الرعب مما رأيت في هذا الحلم!!! والسؤال الذي يشغل بالي: ما تفسير هذا الحلم المزعج!؟

قلت لها:

أضغاث أعلام، لا تشغل بالك بمثل هذه الأمور، فهذا يحصل لكثير من الناس… دعك من هذه الأحلام حتى لا تفسد عليك فرحتك بنجاحي…

بقي هذا الحلم معلق في ذهنها لسنوات، لم تنسه!..

ولاحقا عندما لم يسعدني الحظ في إتمام دراستي الجامعية، ذكرتني بهذا الحلم عندما كنت في زيارتها بمدينة طنجة بقولها:

آه، يا محمد!.. إن الحلم الذي حدثتك عنه منذ سنوات قد تحقق!.. غريب ما يحدث في هذه الحياة!..

سألتها: عن أي حلم تتحدثين؟

تنهدت قليلا، ثم قالت:

أعرف أنك نسيت… لأنك من الذين ينكرون الأحلام  ويعدونها من الخرافات والأساطير!!!

كانت هذه السنة، سنة إنهاء الثانوية العامة، من أجمل ما قضيت في حياتي الدراسية. قضيت أياما سعيدة بمدينة طنجة قرب الوالدة. تطوع الأخ علي المقيم مع الوالدة بأن يعرفني على المرافق الحيوية لمدينة طنجة التي كنت أجهل الكثير منها. في الصباح بعد تناول وجبة الفطور يكون موعدنا مع شاطئ البحر. يرافقنا في هذه النزهة بعض أصدقاء وجلساء الأخ علي. نقضي يوما ممتعا في الاصطياف على الشاطىء القريب من مدينة أصيله ولا نعود إلى البيت إلا والظلام قد أسدل ستاره على المدينة. ولا حقا التحق بنا ابن الخال من مدينة تطوان ليقيم معنا بعض الأيام بمدينة طنجة التي نشأ فيها في سنوات عمره الأولى قبل رحيله إلى مدينة تطوان.

كنا نتواعد مع ابن خاله مساء فنذهب في رحلة استكشافية للأحياء الأثرية والأزقة القديمة لمدينة طنجة، تسمى المدينة القديمة (القصبة) بأبراجها وأقواسها العتيقة، وخاصة تلك التي تطل على البحر التي سحرتني وأبهرتني. نجلس على سطوح المقاهي المطلة على البحر، نأكل الوجبات السريعة ونستمتع بمنظر البحر الممتد نحو بلاد الإسبان. إنه منظر جميل، يأسر الروح وتهدأ له النفس.

بعد قضاء أيام جميلة في مدينة طنجة استأذنت الوالدة بالذهاب مع ابن الخال إلى مدينة تطوان نزولا عند رغبته. مدينة تطوان من المدن الساحلية الممتدة على طول البحر المتوسط إلى حدود مدينة سبتة الإسبانية. بادر ابن الخال بأن عرّفني على الشواطئ المهمة لمدينة تطوان، والمعروفة بأسماء اسبانية (أزلا، كابو نيكرو، كابيلا،..). إلا أن هذه الشواطىء تمتليء في فصل الصيف بالمصطافين إلى درجة أننا لم نجد فيها مكانا للجلوس.

ولكن لمدينة تطوان شواطىء أخرى كثيرة تمتد عبر الساحل المتوسطي، تجلب الزائر والسائح إليها لقضاء أيام جميلة ومريحة فيها. فشاطىء (واد لاو) مثلا الذي يبعد عن المدينة ب 45 كلم من أجمل الشواطىء التي أمضيت فيه مع ابن الخال وأصدقائه أروع الأيام وأجملها؛ أيام لا تنسى!.. أتذكرها كلما سافرت عبر الطريق الساحلي متجها نحو مدينة الحسيمة.

(يتبع)

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق