محمد أزرقان: يوميات مهاجر إلى هولندا (38)

28 يوليو 2024
محمد أزرقان: يوميات مهاجر إلى هولندا (38)

محمد أزرقانلم أمض هذه المرة إجازة أعياد الميلاد في بيت المولد، بل أمضيتها مع أخواي وأسرهما في السكن الجديد بالقرية. كان الصديق رشيد حاضرا هو أيضا يقضي الإجازة بين ذويه وأهله. كنا نتواعد في مقهى من مقاهي القرية، لشرب القهوة نستعيد ذكريات أيام ثانوية الباديسي بالحسيمة والتحدث عن أخبار الدراسة الجامعية.

كان متشوقا ليعرف أجواء الدراسة بالكلية، ولكن تعمدت ألا أخبره بتلك الأجواء الغير مشجعة حتى لا أثبط من عزمه وهو لم يحصل بعد على الشهادة الثانوية العامة (الباكلوريا).

يستمر حديثنا إلى غاية ما بعد الظهر، ثم نفترق ويكون موعدنا من جديد يوم غد في نفس المقهى، وبعض الأحيان نفضل المشي عبر حقول الزرع عندما يسمح الجو بذلك. وأما أعمال الدراسة في الكلية فقد نسيتها من عقلي رغم أن كثيرا من الصعوبات كانت تنتظرني لاستجلائها وتذييلها، وإلا تراكم علي الأمر ومن ثم الفشل المحتوم.

قررت أن أقضي الإجازة في الهدوء والاطمئنان وراحة البال، بعيدا عن صخب تلك المدينة الشرقية وأحوالها الجوية المتقلبة والمؤثرة على المزاج، حيث أصبحت أعيش معظم أيامي مكتئبا. لقد شعرت باستعادة عافيتي في هذه العطلة ببني حذيفة بين الأهل والأحبة والأصدقاء.

اعتذرت للوالدة عن زيارتها في طنجة في هذه العطلة وواعدتها بالزيارة في عطلة فصل الربيع القادمة.

انتهت عطلة أعياد الميلاد وقفلت عائدا إلى وجدة. كان سفري غالبا ما يتم عبر الخط الرابط بين مدينة طنجة والناظور. كنت استقل الحافلة من قرية بني حذيفة مع منتصف الليل وتحطني في محطة الناظور على الساعة السادسة صباحا، ثم أستأنف السفر نحو وجدة مستقلا حافلة أخرى. وهكذا أصل إلى الحي الجامعي متعبا ومرهقا، أخلد إلى النوم ولا أصحو إلا والوقت يكون متأخرا.

استأنفت الدراسة في ظروف غير مواتية ومشجعة. عاودتني تلك الحالة الكئيبة بسبب الأجواء المتقلبة للمنطقة. استعصى علي التكيف معها وحتى عادات القوم وتقاليدهم وجدت فيها صعوبة مما كانت تزيدني كآبة وانطواء على النفس. وفي هذه اللحظة بالذات التي أخط فيها تجارب هذه المرحلة ينتابني شعور ونفور من هذه المنطقة، ولا أدري ما سببه!

الصديق حسن المالكي الذي يشاركني الغرفة في الحي الجامعي كان قد أسلم أمره لله بقوله: لا فائدة من متابعة الدراسة هنا، إني أعلن لكم فشلي وأحسب أن أغلبيتكم ينتظره فشل محتوم!..

بقية السنة الدراسية قضاها في التسكع في شوارع المدينة ومقاهيها. وبعد منتصف النهار يعود إلى الغرفة حاملا معه سمك الأنسوجة (الشطون) ومستلزمات قليه. وقد سبق له أن أحضر أدوات الطبخ (قارورة غاز، قدرة كبيرة لطهو العدس، مقلاة واسعة لقلي السمك والبيض، إبريق لتحضير القهوة يتسع لعشرة أكواب من الحجم المتوسط…).

مبلغ شراء هذه الأدوات قسم على ستة أنفار، قاطني الغرفة، كل واحد يدفع نصيبه. ولتغطية المشتريات كان حسن المالكي يذكرنا في نهاية كل أسبوع بأداء الاشتراك، لا تقديم ولا تأخير فيه. وهذا المبلغ للاشتراك يحتفظ به في حصالة اشتراها خصيصا لهذا الغرض.

وبذلك استغنينا عن وجبات الأكل التي تقدم بمطعم الحي الجامعي، يسميه صديقنا حسن: “مطعم الذباب”، لأنه – بزعمه – وجد ذبابة في إحدى الوجبات.

بعد الاستيقاظ من النوم وتناول وجبة الفطور نذهب لمتابعة المحاضرات والأعمال الموجهة، وأما حسن المالكي فيقصد مباشرة المدينة لقتل الوقت في المقاهي وتصفح الصحف ولا يعود إلا مع منتصف النهار حاملا معه أكياسا من البطاطيس والطماطم والبصل والفلفل وسمك الأنسوجة. وغالبا ما يكون طعام الغذاء أكلته المفضلة: سمك الأنسوجة المقلي وطاجين من العدس. نأكل ونعود إلى الكلية والبطن منتفخ بالعدس، ويبقى صديقنا حسن في الغرفة للقيلولة.

ويوم استلام المنحة الدراسية يكون يوم عيد لنا. يقترح علينا المالكي حسن بالذهاب إلى المطعم لتناول الغذاء. وكان مطعم (الموسم) هو المطعم المفضل لديه، له موقع استراتيجي على الشارع الرئيسي للمدينة.

والواقع أن هذا المطعم كان يقدم وجبات لذيذة دسمة، نأكلها بشهية كبيرة. وبعد الغذاء يليه الجلوس في مقهى من مقاهي وجدة الراقية والفاخرة، يختارها لنا حسن المالكي بنفسه، لشرب القهوة أو مشروب من المشروبات الغازية مع كعكعة مصنوعة بالشكولاته والكاكاو.

(يتبع)

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق