محمد أزرقان: يوميات مهاجر إلى هولندا (40)

20 أغسطس 2024
محمد أزرقان: يوميات مهاجر إلى هولندا (40)
محمد أزرقان
محمد أزرقان

وبعد قضاء هذه الأوقات الجميلة بين أحضان طبيعة بادية بني حذيفة استأذنت أفراد العائلة بالرحيل إلى مدينة طنجة لأمضي بقية أيام الصيف مع الوالدين. الطريق الرابط بين الحسيمة وطنجة طريق شاق وعر ومحفوف بالأخطار، يستغرق السفر عبره أكثر من عشر ساعات.

ركبت الحافلة من بني حذيفة مع هبوط الليل ووصلنا مدينة طنجة مع شروق الشمس. رحبت بي الوالدة وأنا منهك ومتعب بوعثاء السفر. أخلدت إلى النوم إلى حدود إعلان المؤذن لصلاة الظهر.

بادرتني الوالدة بالحديث عما حدث لي من معاناة نفسية، تطمئنني أن يكون خيرا إن شاء الله في المرة القادمة، غير أنني كنت ألاحظ وجهها وشحوب لونه، وكانت تقطب حاجبيها حين تأتي على ذكر مستقبل دراستي الذي تنتظره. استرسلت الوالدة في الكلام عن مستقبل حياتي ودراستي وأنا ظللت جالسا في مكاني متجهم الوجه تقريبا حتى لأكاد أكون ذاهلا شارد الفكر.

لم يكن الوالد حاضرا ليشهد حديثنا. كان خارج المدينة يتابع أعمال مشروع تربية الدواجن الذي أقامه الأخوان المقيمان في بلاد فرنسا. كان الوالد متقاعدا عن العمل منذ ما يقارب السنتين، فطلب منه الأخوان أن ينيب عنهما في متابعة هذا المشروع. كان يخرج في الصباح الباكر ولا يعود إلى البيت إلا والشمس تشرف على المغيب.

دخل الوالد البيت والظلام بدأ يسدل ستاره. وبعد السلام والترحيب، أرجاني ألا أجعل أمر الرسوب يؤثر على نفسي وأعمل قدر المستطاع على نسيانه. ثم أردف يقول: صحيح، أننا  تأسفنا لما حدث ولكن ماذا عسانا أن نفعل!.. وشعار المؤمن – كما تعلم – أن يقول عندما تنزل به نازلة: قدر الله وما شاء فعل، ومن يدري لعل الله يجعله خيرا في المرة القادمة.

حدثنا الوالد بقية المساء، خاصة عن مشروع تربية الدواجن. وبدا لي من خلال حديثه أنه متحمس أشد الحماس في إدارته والعمل قدر استطاعته على إنجاحه، وطلب مني أن أرافقه غدا ليطلعني عن سير العمل في المزرعة ويعرفني عن زبنائه ووكلائه.

في الصباح الباكر استقلنا سيارة الأجرة متجهين نحو المزرعة الواقعة خارج المدينة. بداية عرفني الوالد بالعامل الذي يساعده في أشغال المزرعة، ثم قدم لي شروحا عن كل ما يخص تربية الدواجن تربية سليمة فيها كثير من توخي الحذر، خاصة في الأيام الأولي عندما يجلبون الكتاكيت إلى المزرعة.

كان هذا اليوم تجربة جديدة لي في تربية وتسمين الدواجن بالطريقة العصرية: جلب الكتاكيت ووضعهم في عنابر تتسع للآلف، مجهزة بأدوات الشرب والأكل الخاص، التدفئة، التهوية، أنواع الأعلاف المختلفة ومسمياتها، تقنيات التعامل مع كل مرحلة من مراحل النمو  والنضج، ثم المرحلة التي يصيروا فيها فراخا مجهزين للبيع. جاءت هذه الألفاظ على لسان الوالد عدة مرات وهو يقدم لي هذه المعلومات.

عدنا إلى البيت والوقت متأخر. وبعد تناول طعام العشاء، سألني الوالد عن رأيي فيما شاهدته اليوم في المزرعة؟

 قلت: جميل أنك تذهب في الصباح الباكر برغبة وحماس إلى المشروع، وأتمنى أن توفق وتحسن إدارته، أما أنا فلا ألقي بالا لمثل هذه المشاريع التجارية، وأما إذا سألتني لماذا؟ فلا أدري كيف أجيبك…

وربما تجد في كلامي غرابة ولكن هي الحقيقة.

نظر إلي بنظرات تبعث عن عدم الرضى ثم قال:

ولكن ألا ترى أن مهنة التجارة مهنة شريفة لها وزنها الاقتصادي والاجتماعي؟

قلت: كلامك صحيح، ولكن ما على الإنسان أن يفعل إذا كان لا يهواها!..

فهذه هي المشكلة!

أجابني بقوله:

عليه أن يتعلم المهنة فيكسب حبها وهواها!

تدخلت الوالدة فقالت له:

دعك من هذا الحديث…

فابني محمد مستغني عن مشاريعك هذه، هو لا زال يدرس، ونتمنى له كل النجاح لينهي دراسته ويتخرج مهندسا كبيرا إن شاء الله.

كانت الوالدة تتطلع إلى اليوم الذي ستراني فيه خريجا من أكبر معاهد البلاد. هكذا كان شعورها منذ أن كنت طفلا صغيرا. وعلاقتي بالوالدة علاقة خاصة بالمقارنة مع بقية أبنائها. علاقة يطغى عليها الحنان أكثر والحرص على سلامة صحتي والتوفيق في أعمال دراستي، تدعو لي في خلواتها وصلواتها كما أخبرتني بذلك مرات عدة.

بدا لي أن متابعة هذه الدراسة الجامعية لا جدوى منها ولا فائدة، هي مضيعة للوقت. علي أن أبحث عن شيء آخر يفيدني في مستقبلي. نصحني بعض الأصدقاء أن أقدم ملف الترشيح إلى معهد تكوين مدرسي الطور الأول من التعليم الثانوي ومعهد تكوين مدرسي التعليم القاعدي.

أخذت بهذا الرأي وقدمت ملف الترشيح للمعهدين، راجيا أن أقبل في إحداهما. لم تمر أسابيع حتى توصلت برسالة من معهد تكوين مدرسي التعليم الإعدادي، مفادها أن المعهد يؤسفه بأنني لست من الذين وقع عليهم الاختيار لولوج المعهد. بقي أمل معهد تكوين مدرسي التعليم الابتدائي الذي انتظرت جوابه لأكثر من ثلاثة أشهر. أصبت بتذمر نفسي وخيبة أمل!..

مرت أسابيع على بدء السنة الدراسية ولا جواب توصلت به!.. اتصلت بالمعهد هاتفيا مستفسرا عن ملف الترشيح الذي تقدمت به إلى المعهد الموقر وأنني لم أتوصل بأية أجوبة من إدارة المعهد… جاءني الجواب على لسان إحدى الموظفات: لقد بعثنا لك بخطاب نحيطك فيه علما بأنك من الفائزين لولوج المعهد ولكنك لم تحضر في الوقت المناسب!

تجمد الدم في عروقي واحمر وجهي عند سماع هذا الكلام!..

صدرت مني صرخة بدون شعور قائلا لها:

ولكن لم أتوصل بأي خطاب!.. عن أي خطاب تتحدثين يا سيدتي!؟

قالت: أنا متأكدة من أن الدعوة وجهت إليك بالحضور إلى المعهد للإجراءات الإدارية وتأدية رسوم الدراسة بالمعهد. وأما زعمك أنك لم تتوصل بأي جواب فهذا مما أشك فيه.

قلت لها: وما الحل الآن؟

أجابت بقولها: الحل هو أن مكانك مُنح لمرشح من مرشحي لائحة الانتظار ثم أنهت المكالمة الهاتفية!!!

خرجت من مكتب البريد ورأسي أصابه الدوران مما سمعت!.. مشيت خارج القرية متجها صوب أماكن الصبا وحالتي النفسية يرثى لها! أصابني القلق والصراع بين صورة براقة في الخارج ومظلمة في الداخل. أمضيت بقية اليوم متنقلا بين أشجار التين والصبار المحيطة بالبيت الذي نشأت فيه، مستعرضا كل الآمال والطموح التي كانت تراودني في السنوات الماضية، والآن أرى أن هذه الآمال تبخرت ثم فكرت في السياحة في الأرض والسفر بعيدا.

لم يبق لي آمال هنا في هذه البلاد، تساءلت!؟

عدت إلى القرية والشمس تشرف على المغيب. وبعد تناول طعام العشاء سألني الأخ جمال الدين:

ماذا أنت فاعل الآن؟

يبدو لي أن أمر الدراسة قد انتهى…

لي اقتراح لك إن قبلت! تجلس في الدكان لاستقبال الزبناء وأنا أتفرغ لمتابعة أشغال التصدير والإيراد…

لم أستسغ كلامه ولم أطمئن إليه منذ البداية! أجبته بأنني لست متهيأ لتولي هذه المهمة… أخبرتك سابقا بأنني لم أخلق لمثل هذه المهمات…

نظر إلي نظرة لا تبعث عن الرضى ولم يعقب ثم خرج.

تذكرني حالتي هاته بتلك الحالة للطالب المراهق التي يرويها الكاتب الروسي (دوستويفسكي) في روايته (المراهق)، يصف فيها الصرعات التي تعيشها شخصية روايته المراهق (أركادي) في أجواء عائلته وأوضاعه الحياتية التي يسعى للتمرد عليها، فيضع نصب عينيه العمل على أن يصبح غنيا، ويرى أن عائلته قد قصرت في حقه، ويسعى لعلاقات مع الأغنياء والأمراء.

هذا الوصف ينطبق إلى حد ما على حالتي. كنت أتطلع إلى معرفة نفسي واكتشاف أهوائها ونزواتها وطيبتها وجمالها. وكنت أعرف معرفة يقينية أن المحيط الذي نشأت فيه لا ولن يساعدني على إيجاد حل لذلك اللغز المفتوح على النفس الإنسانية، وما يدور في أعماقها، والمفتوح على قضايا الوجود من خير وشر. لذلك وضعت أمام نصب عيني الهجرة والسياحة في الأرض باحثا عن حل لهذا اللغز…

صرت من العاطلين عن الدراسة وعن العمل، وساءت أحوالي وعلاقاتي العائلية والاجتماعية. لم أعد أطيق المكوث ببلدة بني حذيفة، فقررت الرحيل إلى مدينة طنجة حيث مقر سكنى الوالدة. طلبت مني الوالدة أن أستقر معها حتى يجعل الله لي مخرجا مع علمي أن الوالدة ستزيد معاناة على معاناة وألما على ألم عندما تراني وأنا محطم نفسيا، لا عمل ولا دراسة. مكثت في مدينة طنجة ما يقارب السنة عاطلا لا أعمل شيئا. تعرفت عن  وجوه كثيرة في الحي، ولكن علاقة الصداقة توثقت خاصة مع (بوطاهر بوغلالة) وبعض الطلبة الذين يتابعون دراستهم الثانوية، صف أخير أو (قسم الباكلوريا).

صديقنا (بوطاهر بوغلالة) رجل مرح، يملك دكانا، لا يبخل بابتسامته في وجه كل زبنائه ومن يمر أمام دكانه. ملك قلوب ساكنة الحي فراجت تجارته، حتى إن أخاه، يملك أيضا دكانا مقابلا له، كان ينقم عليه ويحسده على تلك المعاملة البرغماتية مع زبنائه. هكذا كان يحدثني حينما يستدعيني لجلسة الشاي عند العصر.

وأما أصدقائي الطلبة فكانت علاقتي معهم لها طابع ولون آخر. كانوا يرجوني أن أشاركهم في مذاكرتهم للمواد استعدادا للامتحانات. وفي إحدى البيوتات المخصصة لهذا الغرض يطرحون فيها قضايا الحساب والطبيعة يتذاكرونها ويحلوا مسائلها. والواقع أن حضوري معهم لم يكن ذا بال إلا أنني ساهمت باستجلاء بعض الغموض وإضافة بعض الحلول والتقنيات الجديدة كانوا يجهلونها في علوم الفيزياء.

كان ممن توثقت صلتي به أكثر من هؤلاء السادة الطلبة هو حسن بويزمارن. كنا نلتقي كلما سنحت الفرصة لذلك في الحي، وبعض الأحيان نذهب إلى المدينة (Boulevard) للنزهة والجلوس في مقهى من المقاهي للاسترواح وتبادل أطراف الحديث فيما يخص فرص الدراسة الجامعية.

كانت هذه أهم أنشطتي الاجتماعية خارج البيت. وأما داخل البيت فالأمر يختلف. كانت حالة الوالدة حالة يرثى لها نفسيا وجسميا، زاد جسمها نحافة بشكل مخيف، تشكو ليل نهار من ألم المرض العضال اللعين، لم تعد تشتهي شيئا من الأكل، لم يبق منها إلا الهيكل. جزعت لهذه الحالة وشعرت بالذنب أنني كنت سبب ألمها النفسي عندما توقفت عن الدراسة. كان لها أمل كبير في أن تراني يوما من الذين حصلوا على دراجة عالية في سلم دراستهم. ولكن هذا الحلم تبخر ولم يتحقق.

أتذكر جيدا يوما من تلك الأيام الخوالي عندما كنت جالسا إلى جانبها أصغي إلى حديثها عن ألمها ومعاناتها، إذا بجارة تطرق الباب تطلب الإذن بالدخول. أدخلتها ابنة الأخ علينا دون استئذان. لم يرق لي الأمر وضقت من وجودها فخرجت بطريقة غير مأدبة.

عدت إلى البيت متأخرا، ولم يكن في البيت غير الوالدة. جلست بجانبها وهي طريحة الفراش.

بدأتني بسؤال:

هل تستطيع أن تكشف لي عن سبب اشمئزازك وغضبك من زيارة الجارة؟

قلت:

عن أي غضب تتحدثين؟.. أنا لم أغضب… خرجت لألآ أزعجكما… هذا كل ما في الأمر…

قالت:

ها أنت تتهرب من الإجابة!.. تصرفك كان واضحا… لاحظته الجارة بنفسها فقالت لي:

إذا كان وجودي يضايقه، فسأكف عن زيارتك! هذا عيب!.. لا يليق بك!.. احذر مرة أخرى أن تقع في مثل هذا التصرف اللاإنساني!..

ظلت الوالدة تتأملني قرابة دقيقة، ظلت تتأملني بمحبة، بعاطفة، بما يشبه أن يكون شفقة، ثم قالت لي:

إن هذه السيدة التي اشمأززت منها ربما لقبح وجهها ونحولة جسمها وهزاله، لصاحبة روح كبيرة وقلب محب، أساءت لها الحياة، وحسب معرفتي الجيدة بها أستطيع أن أقول دون تردد إن الكراهية والحقد لم يعرفا سبيلا إلى قلبها، والجيران وساكنة الحي يشهدون بذلك… عانت اليتم والحرمان والفقر المدقع والتعدي على حقوقها الإنسانية، صابرة محتسبة… تعيش على صدقات وهبات المحسنين… ماتت أمها وهي طفلة صغيرة، ولاحقا فقدت أباها أيضا، فبقيت مع زوجة أبيها تعاملها معاملة لا تليق بالإنسان…

كذلك قالت الوالدة بلهجة متقطعة مؤلمة. إن تعبير وجهها ونبرة صوتها قد تبدلا فجأة. نظرت إلي فقالت:

هل علمت الآن من تكون هذه السيدة التي أسأت معها الأدب!..

اضطربت نفسي، وخفضت عيني، ثم سألت:

وهل كانت زوجة أبيها تضربها وتعذبها؟

قالت الوالدة:

حسب علمي نعم، وقد سبق لي أن سألتها عن هذا الأمر، ولكن إجابتها كانت كلها خير، بل تتألم لحالها أشد الألم. زوجة أبيها مات عنها زوجها وترك لها صبية صغارا، لا معيل ولا مال… مرضت مؤخرا فصارت تعيسة بائسة تبكي حالها!..

قلت:

وأنت أيضا تبكي حالك وحال مرضك الذي نهش أنسجة جسمك ولم يبق منه إلا الهيكل!..

ألقت علي نظرة تبعث عن حزن وألم، وأرادت أن تقول شيئا، ولكن لم توافها كلمة واحدة، وفجأة انفجرت تنشج نشيجا مرا جدا، وهي تغطي وجهها بغطاء رأسها.

وانقضت خمس دقائق وأنا جامد في مكاني، دون أن أتكلم، ودون أن أنظر إليها لشدة التأثر لحالها. واقتربت منها أخيرا. كانت عيناي تسطعان. أمسكت كتفيها الهزيلتين بيدي، وأنعمت النظر إلى وجهها الغارق في الدموع. كانت نظرتي ملتهبة، حادة، وكانت شفتاي تختلجان اختلاجا قويا جدا… انحنيت لاشعوريا على رأسها شبه أقرع فقبلته وركعت أمامها.

نظرت إلي وتمتمت تقول شاحبة الوجه، منقبضة الصدر انقباضا أليما: ماذا تفعل؟.. ما هذا الذي تفعله؟.. الركوع لله وحده لا شريك له!..

نهضت واقفا، وقلت لها بلهجة حادة:

أنا لا أركع أمامك أنت… بل أمام معاناتك ومعاناة البشرية كلها… أنا أركع أمام ألمك وعذابك الذي تحملته هذه المدة كلها…

كنت في هذه الفترة، فترة إقامتي معها وقبل المغادرة، كنت عندما أجلس أمامها أتأمل حالها، لم ألبث إن أهتف أتساءل بيني وبين نفسي:

ولكن أيمكن هذا؟..

هل يمكن أن تتحمل كل هذا العذاب الذي لا نهاية له؟..

ولكن من الذي يزعم أنها لم تصب بالجنون حتى الآن؟

أصحيح أنها ما تزال تملك عقلها؟

هل يمكن أن يتكلم أحد كما تتكلم هي، وأن تفكر كما تفكر هي، وتعطف على الذين أساءت لهم الحياة؟..

كلها أسئلة كانت تخطر على بالي كلما فكرت في حالها.

وكنت أسألها:

كيف صبرت هذه المدة كلها على تحمل عذاب المرض ومعاناته؟

فيكون جوابها:

من الذي يمكن أن أصير إليه إن لم أؤمن بالله؟

قلت أحدث نفسي:

نعم، تلك هي الحقيقة. حقيقة الإيمان الذي أعانها على الصبر ومنحها القوة على مواجهة عذابات المرض.

مر على وجودي في مدينة طنجة ما يقارب الثامنة أشهر، استسلمت فيها لحياة خاملة منعزلة. ولن يمكن تصور الطريقة التي استغللت فيها فترة إقامتي في طنجة. فلقد حفظت أجزاء من الشعر لشعراء المهجر جمع في كتاب احتفظت به من أيام الدراسة الثانوية. واعتدت أن أصحو باكرا أتمشى متجها نحو حديقة تقع وسط المدينة حاملا معي ديوان الشعر، وأروح أردد ما كنت أحفظه على ظهر قلب أو أقرأ من الكتاب عندما أكون جالسا في الحديقة إلى غاية الساعة العاشرة صباحا، دون أن يثبط من عزيمتي أنني كنت واثقا بأنني لن ألبث – إذ أردد الجزء الذي اخترته ليومي – أن أنسى الجزء الذي حفظته في الأيام السالفة.

لجأت إلى خلق هذه العادة كي أسلي نفسي عن نسيان ومواجهة الفراغ الذي كنت أشعر به في هذه الفترة الزمنية العصيبة التي مررت بها. وكنت أعلم أن الاهتمام بالقراءة تخفف وتروح عن النفس وتفتح الأفاق الجديدة.

كنت أعلم هذا.. إلا أن مشكلتي لم أكن مولعا بها بالقدر الذي أنسى معه ألمي وأحزاني التي ألمت بي بسبب العطالة والتوقف عن مسار الدراسي.

(يتبع)

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق