محمد أزرقان: يوميات مهاجر إلى هولندا (42)

17 سبتمبر 2024
محمد أزرقان: يوميات مهاجر إلى هولندا (42)
محمد أزرقان
محمد أزرقان

بعد الإجراءات الإدارية والأمنية انطلقت بنا الباخرة نحو الساعة السابعة مساء باتجاه الضفة الأخرى للبحر المتوسط. وقفت على سطح الباخرة أتأمل أشعة الشمس وهي تشرف على المغيب مع غياب مدينة طنجة عن الرؤية مرددا في نفسي: وداعا بلد المغرب.. وداعا أرض العقوق التي ترفض أبناءها!..

كتبت هذا الجزء من اعترافاتي بأسره، من الذاكرة… ولا بد أنني ارتكبت كثيرا من الأخطاء فيه. ولكن مثل هذه الأحداث التي مررت بها في حياتي مسجلة تسجيلا واضحا لا خطأ فيه. إن هذه الذكرى وذكريات أخرى مثلها لتبعث على الأسى والمرارة في النفس، ولولا لطف الرب بنعمة النسيان لأهلك النفس لا محالة.

إن الذكريات الناعمة التي تبقت لي عن أعوامي الجميلة التي انقضت في هدوء وبراءة، قد تركت ألف أثر فاتن أحب أن أسترجعه دون ما توان!.. ولسوف يتجلى عاجلا مدى اختلاف هذه الأعوام عن بقية عمري. إن استعادة ذكراها لهي لون من المرارة المتجددة. وبدلا من أن أضاعف مرارات حالي الراهنة بتلك الذكريات الباعثة على الأسى، فإنني أقصيها إلى أبعد ما أستطيع، وكثيرا ما أنجح في ذلك إلى درجة أنني لا أقوى على العثور عليها عند الحاجة. وإن هذه المقدرة على نسيان الهموم بسهولة لعزاء أسبغة الرب علي، وسط تلك الهموم التي راق للقدر أن يهيلها يوما على رأسي، فإن ذاكرتي تستعيد بمقدرة فذة ما يستحب من الأمور. هي العامل المرجح السعيد الذي يغالب خيالي الفضيع الذي لا يجعلني أرى سوى القاسي من أحداث المستقبل!

إن كل الأوراق التي جمعتها كي تعينني على التذكرة، وكي أهتدي بها في هذا المشروع، قد انتقلت إلى أيدي أخرى ولن يقدر لها أن تعود إلى يدي… ومن ثم فلست أملك مرشدا أمينا أستطيع أن أعتمد عليه، اللهم إلا واحدا يتمثل في سلسلة الأحاسيس التي كانت تنم عن تتابع نمو كياني وعن الأحداث المتتابعة والمتعاقبة التي كانت إما سببا وإما نتيجة لتلك الأحاسيس والمشاعر. إنني لأنسى مصائبي بسهولة ولكني لا أنسى أخطائي وفشلي، كما أنني أقل نسيانا لمشاعري الطيبة، فإن ذكراها أعز لدي من تمحى عن صفحة قلبي إلى الأبد. وقد يحدث أن أحذف شيئا من الأحداث والوقائع أو أن أحرفها، وقد ارتكب أخطاء في تواريخ هذه الأحداث، ولكن من المتعذر أن يختلط علي الأمر – أو أن أخطىء أو أسهو – إزاء ما حملتني عواطفي على فعله.

وهذا هو في الواقع الموضوع الرئيسي هنا. فإن الغرض الحقيقي لكتابة هذه المذكرات هو أن أكشف – قدر المستطاع – بدقة دخيلة نفسي في جميع المواقف التي شهدتها حياتي… فإني، إنما وعدت نفسي بأن أروي قصة حياتي. ولكي أرويها بأمانة لا أراني بحاجة إلى مذكرات أخرى، إذ يكفيني أن أغوص في أعماق نفسي، كدأبي حتى الآن!

على أن ثمة فترة تتألف من خمسة عشر سنة، وهي فترة الجزء الثاني من هذه المذكرات، أملك -لحسن الحظ – معلومات وثيقة عنها، ممثلة في مجموعة من الوثائق المحتفظة في أرشيف مكتبتي. وهي وثائق تعينني -بدون شك – على إثبات تواريخ الأحداث التي مررت بها في فترة (1985 – 2000).

[يتبع)

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق