محمد أمزيان: الحسيمة ما زالت تنتظر جامعتها

12 يونيو 2023
محمد أمزيان: الحسيمة ما زالت تنتظر جامعتها

ربما كان صامويل بكيت يصف حال الريفيين حينما جعل بطلي مسرحيته ينتظران شخصا لا يأتي، يدعى غودو. الريفيون أيضا ينتظرون جامعة يبدو أنها لن ترى النور.

قبل بضعة أسابيع، سأل النائب البرلماني عبد الحق أمغار وزير التعليم عن مصير الجامعة متعددة الاختصاصات التي كانت الحكومة السابقة قد وعدت بإنجازها.. وانتظر الحسيميون خمس سنوات وما يزالون ينتظرون.

الغريب في عملية الانتظار هذه، أن جواب السيد وزير التعليم عبد اللطيف ميراوي كانت تفوحز منه رائحة تهكم مبطنة: انتظرتم خمس سنوات، وما المانع انتظار سنوات أخرى!! الانتظار هو تماما ما يلخص العلاقة بين الريف والحكومة المركزية. ننتظر فك العزلة، فيزداد الحصار بأشكال لا مرئية تدفع الريفيين إلى اليأس. ننتظر برامج واقعية للتنمية، فترتفع وتيرة إخلاء الريف بسبب الهجرة السرية تاركة دموع الحسرة في قلوب الآباء والأمهات. ننتظر إيجاد حل للمعتقلين، فتصلنا أخبار محاكمات على خلفية حراك انتهى منذ أكثر من ست سنوات. ننتظر زرع بذرة الثقة بيننا وبين من يتولى أمورنا، فلا نحصد إلا الخيبات.

إلغاء مشروع بناء نواة جامعية في الحسيمة، حتى وإن جاء في إطار إلغاء جامعات أخرى حسب ما تناقلته بعض وسائل الإعلام، يعني أن محاولات ترطيب الجراح قد فشلت. الجامعة كانت أحد المطالب الرئيسية التي توافق عليها أغلب الريفيين، بالنظر إلى أن إقليم الحسيمة لا يتوفر على أية منشأة تعليمية عالية تستطيع التخفيف من أعباء مواصلة التعليم خارج الإقليم. قد يقول قائل: ما الفائدة من إنشاء جامعة في الحسيمة في الوقت الذي توجد فيه جامعة مشابهة في سلوان (إقليم الناظور) القريبة؟ إقليم الحسيمة لا يمثل المدينة وحدها، بل يمتد إلى ما بعد كتامة؛ هذه المنطقة المنعزلة التي لم يعد يزورها زائر أو يمر بها عابر سبيل منذ أن تم افتتاح الطريق الساحلي الذي يمر عبر مدينة الجبهة. في الصيف الماضي مررت عبر طريق شفشاون – كتامة – الحسيمة، وصدمتني الحالة المزرية للطريق الثانوية التي سبق للإسبان أن شقوها في العشرينات من القرن الماضي. أما بلدة كتامة التي كانت محج السياح في الماضي، فقد أصبحت خاوية على عروشها. فكيف للتلاميذ الذين أنهوا مرحلتهم الدراسية الثانوية أن يواصلوا تكوينهم الجامعي، وهم محاصرون من الجهتين: جهة الشاون – تطوان وجهة تاركيست – الحسيمة؟ هذا ما يجعل مطلب إنشاء الجامعة مطلبا ذي أولوية عملية، وإنسانية في المقام الأول.

“إلغاء مشروع بناء نواة جامعية في الحسيمة، حتى وإن جاء في إطار إلغاء جامعات أخرى حسب ما تناقلته بعض وسائل الإعلام، يعني أن محاولات ترطيب الجراح قد فشلت”.

ما يجعلني أكتب بنوع من الخيبة عن هذا المشروع الموؤود بعد أن تشكل في رحم الحكومة السابقة وصادق عليه البرلمان، أي صادق عليه نواب الأمة، هو أن مشاريع أخرى كانت مدرجة للإنجاز وتم إقبارها. مشروع متحف تاريخي، مشروع توسعة المطار، مشروع توسعة الطريق الساحلي، إلى غير ذلك من المبادرات التي فتحت نافذة أمل لتعزيز جسور الثقة، لكن سرعان ما تبخرت كلها كما يتبخر رذاذ الصباح.

لقد تعلمنا من الواقع، مع الأسف، أن الوعود السياسية المتعلقة بالريف عموما وبالحسيمة بصفة خاصة، لا يمكن الوثوق فيها. كما أن تعودَنا على الانتظار، قد أكسبنا نوعا من الصبر الذي أصبح سلوكا يطبع الريفيين بصفة عامة. غير أن الصبر إحساس عاطفي قبل أن يكون اختيار عقلي، وكل ما بني على أساس الشعور والإحساس، قابل للارتجاج في أية لحظة.

شكرا للبرلماني الذي تابع الملف، وعسى أن يعيد وزير التعليم نظره في قراره، ويفرج عن حلمٍ طالما راود مواطني الحسيمة، وما ذلك بعسير إذا توفرت العزيمة والحكمة والنظرة الحصيفة في ترتيب الأولويات.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق