سيدي العمدة،
أود في البداية أن أؤكد لك، وقلبي مطمئن، أنني لست مدفوعا من جهة سياسية منافسة، أو أن لدي أطماع شخصية لإزاحتك عن كرسي المسؤولية، وليس في نيتي بتاتا التشويش عليك في مهمتك النبيلة، والتي أقدر جسامتها وتعقيداتها وإكراهاتها حق تقدير.
إن ما دفعني لمراسلتك اليوم مباشرة من خلال هذه الكلمات، هو يقيني من أنك إنسان واع تمام الوعي بالتحديات التي تواجهها مدينة الحسيمة، مدينتك التي وضعت في يدك مفاتيح المسؤولية حينما منحت لك عطف قاطنيها ومساندتهم لك في جو سياسي متشنج، لئيم وضبابي أيضا. مدينتنا نحن المبتلون بحبها حتى ولو شردتنا الهجرة إلى فيافي القارات الخمس.
أكتب إليك سيدي العمدة، لأنني ما زلت أثق في معدنك النقي وضميرك الحي، وفي حبك لمدينتا التي ما كان لها أن تتنفس في بيئة مريضة، لولا إيمانها بأن أبناءها لن يتخلوا عنها، لن يتركوها فريسة بين أنياب الوحوش الضارية. وكم هي كثيرة تلك الوحوش التي تنتظر سقوطها ليقتسموا ميراثها .. وما ميراثها إلا تلك الروح التي تشع منها كل صباح وهي تداري آلامها وكبواتها، بل وخيباتها. أخاطبك سيدي العمدة لأنني ما زلت أومن أنك لن تتركها عارية، مهملة، متسولة لإحسان من سبق وأساء إليها، من حاول اغتيالها وهي ما تزال في عنفوان شبابها.
سيدي العمدة، بل صديقي الدكتور نجيب الوزاني،
سبق وأن سمحت لنفسي أن أخاطبك في تدوينة عابرة في الصيف الماضي. كان أملي كبيرا في أن تصلك تلك الكلمات وأنت على استعداد للنظر في تلك المشاكل، بل الطعنات التي تشوه وجه مدينتنا على مرآنا ومسمعنا، وتعمل على مداواتها، وأنت الطبيب الماهر. كنت قبل شهر في الحسيمة ورأيت الحزن على محياها. سألت عن راعيها، أي أنت، فقيل لي إنك لا تزورها إلا نادرا، تاركا أمرها موزعا بين أيدي من ينوب عنك. كيف يسمح لك ضميرك أن تتخلى عنها وقد أتعبها الغياب؟ كيف تتركها بلا سند وهي في حاجة إلى أكثر من سند؟ كيف تأمن عنها من لا يقدم أي حساب أمامها حينما يحين موعد الحساب؟
سمعت أيضا أن نصائح العقلاء من أبنائها لا تصل إليك، وكأن شياطين مردة وضعوا بينك وبينهم حجاب. هذا لعمري من العجب العُجاب!!
في كلماتي السابقة إليك، كنت أشرت إلى بعض الجراح التي تدمي مدينتنا. فوضى الاستيلاء على الملك العام (شوارع بكاملها وأرصفة لم تعد أرصفة)، فوضى ركن السيارات، فوضى الاستيلاء على الشواطئ، غياب تصور شفاف وواضح لحل مسألة “السطو” على ما تبقى فيها من مناطق طبيعية وتحويلها إلى تشوّهات إسمنتية تفوح عارا وشنارا في وجه كل مسؤول، كارثة تدبير القذارات والقاذورات التي تشوه جمال مدينتا التي كانت توصف في السابق بأجمل مدينة وأنظفها في المغرب، وغيرها من العاهات التي أصبحت تتميز بها الحسيمة وكأنها بلا أهل وبلا ذرية.
سيدي العمدة،
الصيف على الأبواب. فهل فكرت في تشكيل “خلية أزمة” للنظر في كيفية علاج مرض الاكتظاظ المزمن الذي يهد كيان مدينتا كل موسم صيف؟ نعم هي أزمة ومرض مزمن، وأنت أدرى بما يعنيه المرض المزمن. قد ترد علي بصوتك الهادئ، وهذا طبعك وخصلتك التي أثمنها فيك، وتقول لي: ما باليد حيلة! أحب أن أذكّرك، سيدي، بأن في يدك أكثر من حيلة. فأنت وجه المدينة وحاميها وراعيها والمسؤول الأول عن مداواة جراحها. قد تقول لي أيضا: يداي مكتوفتان لأن وزن الدولة العميقة أثقل من كل الأوزان، وأجيبك يا سيدي العمدة، يا صديقي، بأن وراءك أخوتك الذين آوتهم مدينتا واحتضنتهم ورعتهم أحسن رعاية. فكن على يقين أنك لو اعتمدت عليهم، فلن تنال منك أعتى أيدي الخفاء.
فكن في مستوى اللحظة، عد إلى حضن التي لم تنسك لحظة، وردّ لها بعض الجميل.
تحياتي ومودتي وإلى رسالة قادمة،
صديقك الذي يتمنى لك كل خير.
روزندال، 27 أبريل 2023