محمد أمزيان: “ظهير” السنة الأمازيغية

5 مايو 2023
محمد أمزيان: “ظهير” السنة الأمازيغية

صدر “أمر” ملكي موجه للحكومة من أجل العمل على إقرار بدايةَ السنة الأمازيغية عطلةً رسمية في المغرب. وقد سبق لدستور 2011 أن اعترف باللغة الأمازيغية كلغة رسمية في البلاد، إلى جانب العربية والحسانية والمكوّن العبري، لكن نواب الأمة ناموا ولم يستيقظوا، ووزراء الدولة عَمُوا فتاهوا.

حينما نستعيد هذين الحدثين البارزين، في إطار التوزيع العادل للذاكرة التاريخية بتعبير مُعدَّل للكاتب حسن أوريد، يتبادر إلى الأذهان سؤال مكظوم: لماذا قطعنا كل هذا الزمن الشاق والطويل من أجل “الاعتراف” بحقيقة تاريخية وثقافية لا تتناطح عليها إلا فصيلة بني عنز؟

صحح الأمرُ الملكي خللا في الذهنية المغربية المُقولَبة في أيديولوجيات غريبة عن بلادنا. كانت “الحركة الوطنية” تريدنا “عربا”، وكانت “الحركة اليسارية” تريدنا “أمميين” وكانت “الحركة الإسلامية” تريدنا “أمة”، وكأن الأمازيغية ضُرة بغيضة لكل هذه القوالب، والتاريخ الأمازيغي نشاز.

عندما شرع رواد الحركة الأمازيغية يحفرون في الصخر، تعرضوا لعواصف مُشككة هوجاء؛ تطعن في وطنيتهم، تُبخس عليهم تاريخَهم وذاكرتَهم، تنزع عنهم ملكاتِهم العقلية. لكن أعتى العواصف جاءت ممن يمثلون الإسلام السياسي. لو كانت هجماتهم ذات طابع سياسي تروم الدفاع عن مواقف سياسية، والمواقف تتغير، لقلنا: هذا من طبيعة التدافع “المشروع”. لو كانت قائمةً على أساس تاريخي، لقلنا: التاريخ محكمة تقتضي الترافع والدفاع. لكنها كانت حملات تتم باسم الله. هؤلاء صادروا حق الله في تقرير مصير المؤمنين الموحدين، وألغوا، بجرة قلم أو جرأة لسان، إيمان المدافعين عن الأمازيغية، فحرموهم حتى من أمل دخول الجنة، وكأنهم هم حراسُها المخوَّلون بمنح تأشيرات دخولها أو الحرمان منها. كانت حملات هؤلاء أكثر إيلامًا، لأنهم يتحدثون باسم دين جاء للعالمين.

والآن، وقد جاء الأمر الملكي ليعيد الأمور إلى نصابها، هل ستضطر هذه الطائفة الجانية على الذاكرة الأمازيغية، لفتح أبواب الجنة أمام الأمازيغ؟ أم ستضع الأمر الملكي موضع الشك والطعن والانزياح عن المِلة؟

ليس هذا مهما. المهم الآن هو تنفيذ مقتضى هذا الأمر عاجلا، ومصالحة الإدارات مع الأمازيغية بمكوناتها، وألا ننتظر زمنا طويلا آخر لنفخ الروح في هذه الخطوة الشجاعة.

على قدر  سروري، أراني أيضا منقبض الصدر. هل كان لا بد من تدخل الملك لإقرار شيء يجري في شرايين المغرب مجرى الدم؟

أن نصل متأخرين خير من عدم الوصول. وفي انتظار الإفراج عن الأسماء الأمازيغية في سجلات الحالة المدنية، وعن تاريخ الأمازيغ في المناهج الدراسية، وعن الانتماء الأمازيغي في الاختيارات السياسية، نرجو صادقين أن يهدأ خاطر الخائفين من الهوية، ونؤكد لهم أن في ذلك غِنى للمغرب وليس مَنقصة. المغرب، وكما كان دوما، جسر بين إفريقيا وأوروبا والمشرق، وليس هناك ضرورة لوأد ثقافة لتعيش أخرى. اكتساب الأمازيغ للغة العربية لا تجعل منهم عربا، تماما مثل العرب الذين اكتسبوا اللغة الفارسية أو اللغة التركية. سيبقون عربا وسنبقى أمازيغ.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق