في هذا الجزء الثاني من الحلقة 6، سنحاول الوقوف عند منطوق ومكنون قصيدة / أغنية “ثموث ذيماثنغ” (أمنا الأرض) لفقيدنا عبد الكريم بويزيضن التي مطلعها:
رجذوذ انغ أرين ثنفوسث ني سدم
نشين مارا نتوت أقعاذ أنندم
رعافيث انغ ثخسي أواحيث ادنـزذم
رحيض امي غمسن سبدي أثنهـذم
أغيمي نغ نعذريث أمو وسار انعذم
ماميا أغنقيم ما عماس أنفهم
ثموث ذيماثنغ أقاسثبدرم إسم
ثموث ذيماثنغ غاخوم أتزنزم
رعذو أقث أكينغ مـخناو واتسينم
أغزار قيويانغ كنيو واثومينـــم
واتبلعث أقموم أمثوارث أوخـام
إشكامن وسعن أسندناوي أتمــام
زوث إمضران نرجذوذ إج نتوارا كّعام
رجذوذ رامي الموثن أراذيج أذيعــام
البيت الأول من القصيدة: يوصينا خلالها الشاعر بألا نتجاهل تاريخنا المكتوب بدماء الأجداد، وإلا سيظل الندم يلاحقنا مدى الدهر… فعلينا إذن، استحضار ملاحمهم البطولية التي أبلوا فيها البلاء الحسن فداء للأرض ودفاعا عن كائناتها البشرية المستضعفة، ذلك ما سيظل أمانة في عنق أجيالنا الحاضرة حرصا على صيانتها وحمايتها من الأعداء والمتربصين…وكل تفريط في شبر من هذه الأرض، سيؤول إلى كارثة عظمى لا يجدي الأسف والحسرة بعدها نفعا.

البيت الثاني: يعاين الشاعر تضاؤل حضور دروس الأجداد الكفاحية في ذاكرتنا الجماعية، مما اضطره إلى دعوة الجميع لاستجماع أشلاء هذه الأخيرة وترميمها لاستعادة بريق هذا المجد التليد، غير أن ذلك حسبه، لن يتأتى دون امتلاك جرأة المواجهة والتحدي لإماطة اللثام عن هذه الحقيقة التاريخية المحجبة وراء هذا الجدار السميك…فالشاعر هنا بحسه المرهف، يدرك ضعف ثقافة المقاومة في وعينا الجمعي، مما جعله يلح على أهمية ارتباط أجيالنا بهذا المجد البطولي الذي هو خير سماد لتخصيب الهمم وشحذها وإنعاش الأمل في المستقبل.
البيت الثالث: يعاتب فيها الشاعر الجميع دون استثناء بقوله: لقد استحسنا الخضوع والانبطاح كالشيخ الهرم، فهل هذا هو قدرنا؟: أن نظل غير آبهين باستيعاب وفهم مجريات الأحداث من حولنا!؟ وقد شبه الشاعر هؤلاء الغارقين في نعيم الخنوع والانتظار، بالشيخ المقعد العاجز عن الحركة.
البيت الرابع: الأرض أمنا، فلا تستبدلوا اسمها ،،،، الأرض أمنا، إياكم وبيعها والتفريط فيها، موصيا الجميع: عار علينا التفريط في أرضنا/ أمنا أو استبدال اسمها وهويتها . وهذان البيتان يشكلان حجر الزاوية والعمود الفقري لبنية هذه القصيدة، بعد أن توفقت “تواتون” في جعلهما لازمة هذه الأغنية استجابة لمقتضيات التوزيع الموسيقي وانسجامه الرائع مع المضمون. والمستمع النبيه لهذه الأغنية عموما، سرعان ما سيكتشف تلك الفاعلية الإيقاعية المكثفة المنبعثة من نواة القصيدة ذاتها لدعم نغمات الظاهر في تناسق مذهل.

البيت الخامس: فيه يكشف الشاعر عن تعمدنا اللامبالاة وعدم اكتراثنا بالعدو المندس بيننا، غير واثقين بما سيؤول إليه مصيرنا بعد انجرافنا مع السيول العاتية، وهنا يؤاخذنا الشاعر على تعاطينا المتسم بالاستهجان والاستخفاف بالمخاطر المحدقة جراء اختراق الأعداء لصفوفنا.
البيت السادس: فلمواجهة هذا الوضع المتردي، يضطر الشاعر للصراخ فينا تحفيزا لنا على مغادرة قلعة الصمت الرهيب وامتلاك جرأة الجهر بالحق، بدل تكميم الأفواه تماما كما توصد أبواب المحلات المهجورة، ذلك هو السبيل الأنجع للقضاء على الجواسيس /العملاء المندسين مشكلين حجر عثرة أمام كل محاولة لفهم وفك ألغاز الواقع وتناقضاته وتغييره حتى .. وهي المهمة التي لن تتأتى دون تعبئة العزائم وشحنها بالطاقة الإيجابية على درب من سبقونا إلى مقاومة الظلم والاستبداد الممارسين على معذبي هذه الأرض، فمن غير المستساغ، حسب الشاعر، إخلاء الساحة وتركها للأعداء يعيثون فيها نهبا وفسادا، بينما الواجب يقتضي منا الانخراط الواعي في المسار التحرري الذي خطه الأجداد…. هؤلاء الذين علينا الالتحام بذكرياتهم واستحضار تجاربهم ورصيدهم الكفاحي الذي عبر عنه الشاعر مجازيا في:
البيت السابع والأخير بـ:”زوروا قبور الأجداد ولو لمرة واحدة على مدار العام”.. وفاء لإرثهم البطولي الذي كادت شعلته أن تخمد وتنطفئ، ولم يجرؤ أحد منا على حذو حذوهم .
والملاحظ فنيا وجماليا، أنه بقدر انصياع هذه القصيدة لمستلزمات القافية ضمن هذه “الميمية” (التي لا تروم الزخرفة اللفظية، ولا المماثلة في الرنة الصوتية) بقدر ما هي معززة لرسوخ المخالفة على المستوى الدلالي، مما يصنفها ضمن القصيدة الحرة الطليقة القاهرة لموانع التفعيلة، بتغذيتها وانتعاشها من رحيق إيقاعها الداخلي المثقل بالأفكار والأحاسيس التي تكثف الدلالة الرمزية والجمالية لهذا النص، شعرا وموسيقى وخيالا، مدعما بتواشج الأصوات من خلال التوزيع المحكم المطرّز بفسيفساء نغمي قل نظيره في منتوج “تواتون” الغنائي برمته..
انتهى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كلمة لابد منها: أتقدم بالشكر الجزيل للأخ والصديق جمال حميد الذي صاحبني عبر هذه الحلقات بتدقيق الكثير من المعطيات المرتبطة بحياة فقيدنا عبد الكريم بويزيضن وانشغالاته المدنية والجمعوية ببلاد المهجر.
كما أجدد، من جهة أخرى، عزائي الحار لكافة أفراد عائلة الفقيد، وفي مقدمتهم ابنه كريم وابنته ليلى و شقيقه الفنان عبد المالك وباقي أفراد عائلة بويزيضن /المرابط، داعيا للجميع بالصبر والثبات لتجاوز أثر هذا الجرح القاسي الذي خلفه رحيل عبد الكريم: الأب والأخ والصديق والشاعر المناضل والإنسان.
في الحسيمة بتاريخ 2024/06/24