قبيل منتصف ليلة 06 فبراير الجاري، هاتفني الفقيد كريم بويزيضن كعادته كلما اشتد به خناق ووحشية العزلة التي اختارها لنفسه منذ سنوات! وأثناء المكالمة، ظل يسألني عن الحسيمة والبلد وعن أحوال حينا الشعبي”دهار نمسعوذ” الذي احتضن شغبنا الطفولي والشبابي سيان.. دون أن ينسى الأهل والأقارب والجيران وباقي أسماء الرفاق الأحياء منهم والأموات…
غير أن مكالمة تلك الليلة لم تخل من مفاجأة، حيث قدم لي ضيفه لحظتئذ وهو ابن أخيه صلاح أحد تلامذتي السابقين، هذا الأخير الذي تسلم الهاتف من يد عمه ليتبادل وإياي بعض الذكريات الملفوفة في رداء التقدير والاحترام والاعتراف بجميل الأيام الخوالي، ليفسح المجال بعد ذلك لاستئنافنا (انا والفقيد) لحديثنا الشيق الذي أحسست خلاله أن مخاطبي، عبد الكريم، يجتاحه سعال حاد يعرقل حديثه من حين لآخر، مما جعلني أستفسره عن طبيعة ومصدر هذا السعال، ليجيبني حرفيا: “والله يا أخي محمد ما أدركت ولاعرفت ما هذا”، متابعا حديثه عن راهن الأوضاع العامة وأحوال الرفاق والأصدقاء هنا وهناك…
ونحن على مشارف إنهاء اتصالنا، ألح علي كعادته، بأنه رهن الإشارة لتقديم أية خدمة ممكنة في أي وقت وحين…، مبلغا سلامه وتحاياه لمعارفه وأصدقائه بالداخل ..
بدوري تمنيت له شفاء وتحسنا صحيا، على أمل معاودة الاتصال في القريب العاجل …
بعد مرور 16 يوما، وبالضبط مساء الخميس 22/02/2024، اجتاحني شعور خاص أحسست معه برغبة جامحة لمعاودة الاتصال بأخينا كريم بنفس التوقيت الذي يؤطر تواصلنا المعتاد، وفعلت، ثم كررت الاتصال، ولا من مجيب! سوى ما كان يصل مسامعي من صدى العبارات الهولندية التي لا شك أنها تفيد بـ”أن هاتف مخاطبكم غير مشغل حاليا” … فتركت الأمر لوقت لاحق لاعتقادي بأن صاحبنا في غمرة نوم عميق!
الجمعة 223/02/2024 مساء، وصلتني تدوينة مختصرة عبر “الواتساب” من صديقنا المشترك وعضو مؤسس لـ “مجموعة أنوال” الغنائية: بوشنفاتي قناعة، تقول بالحرف: “لقد توفي كريم بويزيضن يوم أمس، فليرقد في أمان”. صدمت بالنبأ ولم أكد أصدق، أنا الذي ما زلت مصرا على الاتصال بكريم لمعرفة الجديد عن حالته الصحية وأشياء اخرى، استشفت من حديثه الأخير معي ،أنه كان يرغب في الفوح بها …
مباشرة اتصلت بصديقي جمال حميد، أحد المقربين جدا من الفقيد، الذي تفاجأ لسرعة علمي بالوفاة، وهو من لم يمر على تلقيه النبأ عبر عائلة الفقيد سوى وقت وجيز… ومعاً، فتحنا هامشا مؤقتا لاستحضار بعض الإشارات الدالة في الحديث الذي جمعني والفقيد في تلك الليلة المشهودة ..
فرحمة الله الواسعة على روحه الطاهرة وأحر العزاء لعائلته الصغيرة والكبيرة، في مقدمتهم أخوه عبد المالك وابن أخيه الصديق عيسى بويزيضن وباقي إخوته ذكورا وإناثا هنا وهناك.
***
سيوارى جثمان الفقيد الثرى (كما أخبرني بذلك كل من أخيه عبد المالك وصديقنا جمال حميد) يوم السبت 02 مارس 2024 بعد صلاة الظهر بمنطقة Bilthoven إقليم Utrecht .. بعيدا عن “ثموث نرجذوذ” (أرض الأجداد) التي غنى من أجلها ولطالما استحضرها في مجموع أشعاره ..
(يتبع)