ومضات للذكرى على قبر فقيدنا الشاعر والفاعل الجمعوي عبد الكريم بويزيضن – ازداد الشاعر عبد الكريم بزاوية سيذي يوسف سنة 1957، وكان والده المرحوم الشريف نموح نعيسى أحد أقدم مراقبي الأوراش ببلدية الحسيمة، الذي نزح بعائلته نحو المدينة/ الحسيمة بداية ستينيات القرن الماضي حيث حطوا الرحال أول الأمر بناحية “مورو بييخو” قبل الانتقال للاستقرار النهائي بحي “دهار نمسعوذ” / السوق .
تابع دراسته الابتدائية بمدرسة علي بن حسون وجزءا منها بثانوية أبي يعقوب البادسي التي غادرها مبكرا … ليتفرغ بعد ذلك لتسيير مشروع تجاري عبارة عن مخبزة أنشأتها عائلته بهذا الحي سنوات السبعين، وهو المشروع الذي جعل عبد الكريم يرتبط بعلاقة متميزة مع مختلف الشرائح الاجتماعية التي استقطبتها هذه المخبزة الشعبية (فران الحومة)، بعد ان اتخذها بعض الشباب، من الجنسين، مجالا للتعارف وانجذاب النظرات المتبادلة … كما اتسعت علاقته تلك وامتدت، نحو فضاءات أخرى خارج ورشة العمل، أهمها: المعملة المجالية المعروفة بـ”ثازروط” الواقعة على مرمى حجر من المخبزة، حيث كان يقضي كريم أوقات الفسحة والترويح عن النفس معية الأصدقاء وحضور بعض (مْعَلْمين الفران / صناع الخبز) الذين كان يتقاسم وإياهم بعض هموم المرحلة ونذكر منهم: عبد المجيد جدي والحسين الحدوتي (هذا الأخير الذي استهواه الشعر مبكرا، وعلى أرضية أشعاره، قامت تجربة الفنان الموسيقي الراحل : بلقاسم الورياشي – قوسميت).
تزامنت هذه المرحلة مع تشكل مجموعة تواتون الغنائية التي اتخذت من نفس المعلمة المجالية “ثازروط” مكانها المفضل للتداريب واختبار كفاءات ومهارات أعضائها الإبداعية …. وثازروط هذه، كلما التقى حولها هذا الطيف الشبابي من المواهب والطاقات الإبداعية، تحولت إلى ملتقى للنقاش العام يعيد إلى أذهاننا تلك المسارح الشعبية اليونانية الطليقة التي احتضنت النقاشات والمواجهات الصاخبة بين سقراط وسوفسطائيي دولة المدينة/ أثينا ..
اعتبارا لغنى وتشعب ما كان يحضر فيه (ملتقى ثازروط) من حقول معرفية ومواضيع ساخنة وقتها: من الفلسفة والسياسة والاجتماع إلى الأدب والفن .. والتي كانت تجد مرجعيتها لدى أغلب هؤلاء الشباب في البرامج المتنوعة التي كانت تبث عبر القناة الإسبانية هناك بمقهى المرحوم محمد أملاح (الكّزار) في الجهة الأخرى من الحي، وتظل النقاشات التي كانت تحتضنها حلقية فقيدنا عبد الكريم بويزيضن واحميدوش واحمد كينتو وحسن بورحيان ومعهم جمال حميد ـ الأكثر حدة وحماسا! لكون أغلب هؤلاء يتبنون ما كنا نسميه تجاوزا ـ من باب السخرية والمزاح ـ بمنهجية “ثغنانت”!! فكان كلما بلغ الصراع بينهم حدته، غيروا الوجهة نحو أجواء الموسيقى والغناء والنكتة والفكاهة والمرح والإبداع الشعري الذي بدأت تظهر ملامحه الأولى لدى فقيدنا عبد الكريم الشاب في هذه المرحلة ….
(يتبع)