من هو مصطفى أعراب؟
ينحدر الكاتب من أسرة فلاحية من الريف الأوسط، من الوجوه المغربية الريفية المعروفة بهولندا. ولد في دوار إعثمانا – بقيوة سنة 1960. بعد إنهاء دراسته الابتدائية والثانوية بالحسيمة، التحق بفاس لمواصلة دراسته الجامعية في مادة الفلسفة، والتي حصل منها على الاجازة.
أمام انسداد الآفاق وتأزم الوضع الاجتماعي والاقتصادي بالريف، اضطر للهجرة نحو أوروبا على غرار معظم الريفيين. مصطفى الشاب آنذاك (27 سنة)، نزل سنة 1987 بهولندا التي ستغير مجرى حياته. فالرجل، رغم صعوبة الظروف التي مر بها في السنوات الأولى للهجرة، استطاع أن يشق طريقه بنجاح، مهنيا ومعرفيا، حيث سينال سنة 2002 شهادة الدكتوراة في موضوع “أزمة الذات والمعنى في الفلسفة الفرنسية”، وقبل ذلك اشتغل صحفيا في راديو nps) من 1988 إلى 2004)، وبعدها اشتغل مديرا للإذاعة الإسلامية 2006 – 2010، ثم بعد ذلك اشتغل كما في الترجمة. من مؤلفاته باللغة الهولندية “الإسلام: تاريخ ثقافة في أزمة”، وبالعربية اقترن اسمه في المغرب بكتاب “الريف بين القصر، جيش التحرير وحزب الاستقلال”، وله كتب أخرى كثيرة منها كتاب “الريف والسلطة المركزية: مقاربة تاريخية لأسباب التوتر”، وكتاب مترجم من الفرنسية إلى العربية “الإسلاميون وأمريكا تحالف ضد أوروبا”. بالإضافة إلى التأليف، نشر أعراب العديد من المقالات في جرائد ومواقع مغربية وعربية منها: هيسبريس والقدس العربي وأنوال والاتحاد الاشتراكي وغيرها.
أهمية الكتاب وقيمته
على المستوى الفني / الشكل:
يمكن القول إن الكتاب صدر في طبعة أنيقة، ويضم 272 صفحة من الحجم المتوسط. فإلى جانب المحاور والإشكالات التي تناولها الكاتب بالنقد والتحليل، والتي أبرز من خلالها وجهة نظره المتميزة والمغايرة – حسب قراءتنا وتأويلنا – لكل الآراء ووجهات النظر المتداولة رسميا وحزبيا وإعلاميا. كما يضم الكتاب بين دفتيه مجموعة من الصور التاريخية التي توثق وتجسد محطات مهمة ومفصلية في تاريخنا الحديث. منها صورة للسلطان محمد الخامس في ضيافة الخطابي وأخيه امحمد بالقاهرة، وهي نفس الصورة التي تصدرت الغلاف الخارجي للكتاب. كما يشمل أيضا صورة توثق تدريبات جيش التحري، وهي ذات الوثيقة / الصورة المنشورة في مذكرات المرحوم الهاشمي الطود، التي تحمل أسم ” خيار الكفاح المسلح: حوار سيرة ذاتية.
على مستوى المراجع والوثائق:
وظف المؤلف مجموعة من المصادر والمراجع المعتبرة، منها ما هو مغربي، ومنها ما هو أجنبي، فرنسي بالخصوص. هذه المصادر عبارة عن وثائق رسمية، كتب، مذكرات، رسائل رسمية، تقارير صحفية وأخرى استخباراتية. زيادة على هذا، اعتمد كذلك على مقالات تحليلية تناولت أحداث تلك المرحلة، مع إعطائه الأهمية للمصادر الأجنبية كما أشرنا، منها كتابات أمثال: دوغلاس أشفورد وميشال كاتالا وغيرهما. وقد انفردت مذكرات رئيس الحكومة الفرنسية آنذاك السيد إدغار فور باهتمام بالغ لدى المؤلف، حيث اعتمد عليها بشكل كبير جدا. وهو اعتماد مفهوم ومنطقي كذلك، على اعتبار أن إدغار فور كان عنصرا فاعلا في الأحداث، بل يسميه المؤلف بمهندس مشاورات إيكس ليبان (ص. 216). هذا أولا، وثانيا كان عنصرا فاعلا في موضوع نفي محمد الخامس ومسألة إرجاعه. اعتمد الكاتب أيضا على ما نشرته الجرائد، خاصة لوموند ولوفيغارو. بالنسبة للكتابات والمراجع المغربية، فإنه اعتمد – أساسا- على رسائل وتصريحات السلطان محمد الخامس وعبد الرحيم بوعبيد وأحمد بلافريج وغيرهم من السياسيين المغاربة، أما من الجانب الأكاديمي، فنذكر هنا كتابات جرمان عياش، مصطفى بوعزيز، سلمى لزرق، زكي مبارك وغيرهم.
على مستوى المحتوى والمضمون:
رغم أن الكتاب يتضمن في طياته بعض الاخطاء المطبعية، عادية بالنسبة للبعض ومزعجة للبعض الآخر، إلا أن لا تأثير لها، في نظرنا، على محتوى الكتاب ومضمونه، أو حتى على مقاصد الكلمات التي شملتها هذه الأخطاء المطبعية التي لا تنقص من أهمية الكتاب ومحتوياته من ناحية، ومن قيمته المعرفية من ناحية ثانية. الكتاب، في مجمله، واضح الرسالة / الفكرة والهدف. يتضمن إلى جانب مقدمة “توضيحية” طويلة نسبيا، حوالي 12 صفحة (من صفحة 5 إلى 16)، والتي استعرض فيها الكاتب منهجية البحث وأهدافه، حيث أورد يقول في هذا الصدد: “ومن ثم تحليلها وفق ما تقتضيه المنهجية المتعارف عليها في هذا المحال” (ص.5). ولعل المنهجية التي يقصدها هنا هي المنهجية التي تعتمد التحقيق والفحص الدقيق للوثائق ومقارنتها، وهذا ما فسره الكاتب نفسه في نفس الصفحة السابقة حيث اورد يقول: “…. وإنما هو إعادة قراءة وتركيب الوقائع، ثم تنظيمها وفقا لمنهجية تعتمد المقارنة وفحص البنية الداخلية للوثائق المتوفرة ودراسة طبيعتها”. ومن جانب آخر، تتضمن مقدمة الكتاب أسئلة تمهيدية، استفهامية بالأساس، والتي نعتقد أنها شكلت بداية ومنطلق بحثه.
إلى جانب ما سبق ذكره حول المضمون والمحتوى، يتضمن الكتاب كذلك إهداء وفهرسا. أما محتوى وجهة نظر الكاتب، فقد عالجها في ستة محاور أساسية، مقسمة على خمسة فصول. المحور الأول خصصه للحديث عن سياقات وحيثيات احتلال فرنسا للمغرب من خلال إبرامها لمعاهدة الحماية في فاس 1912، بينما خصص الفصل الأخير للحديث عن قيام جيش التحرير (ولتحفظه على كلمة حيش، يضعها بين معقوفتين ويشرح أسباب تحفظه)، بينما خصص الفصل الثاني والثالث والرابع لمسألة تطور الأحداث بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وكيف برزت فكرة الاستقلال وحيثياته، والأطراف المتصارعة بشأنه وغيرها من الأمور التي سنتعرض لها في المحور القادم والأخير من هذه القراءة الأولية.
ومن الأمور الاخرى التي استشعر الكاتب أهميتها وعمل على مناقشتها هي قضية الكيان الذي أسسه محمد بن عبد الكريم الخطابي.
(يتبع)