محمود بلحاج: الخطابي وعز الدين القسام والثورة الفلسطينية

23 أكتوبر 2023
محمود بلحاج: الخطابي وعز الدين القسام والثورة الفلسطينية

تحاول هذه المقالة – أساسا- الإجابة على السؤال الذي يطرحه بعض “النشطاء الريفيين” باستمرار حول موقف الفلسطينيين  والعرب عامة من الأحداث التي عرفها الريف، قديما وحديثا، وخاصة إبان الثورة الريفية بقيادة الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي، حيث كثيرا ما  يطرحون (وخاصة بعض النشطاء) هذا  السؤال “التعجيزي” في نظرهم: هل تضامن الفلسطينيون، يوما ما، مع الريف عندما كان يتعرض للقصف والإبادة الجماعية على يد الاستعمار الإسباني والفرنسي خلال حرب الريف؟ وهو  نفس السؤال الذي يعاد طرحه الآن أيضا بعد اندلاع أحداث غزة الأخيرة، لكن بصيغ مختلفة!!

وهذه المقالة هي أيضا رسالة موجهة لكل الذين يقولون إن الخطابي ليس عربيا، ومن ثم،  لا علاقة له بالعرب وقضاياهم. وهذا الموقف لا يخلو من العنصرية والشوفينية التي يرفضها العقل الإنساني المتحضر والسوي. وهو موقف يعكس في الأصل  الحالة  النفسية  لهؤلاء “النشطاء” الذين ينظرون للعالم والأحداث بعين واحدة. حالة مرضية خبيثة نابعة من الحقد والجهل المركب لهؤلاء المرضى النفسانيين والمتزمتين فكريا والمتدهورين أخلاقيا. فمن المؤكد أنهم يجهلون حقيقة الخطابي وشخصيته السياسية والفكرية والأخلاقية،  كما يعانون من الخواء المعرفي والمعلوماتي بحقيقة حرب الريف، وتحديدا حجم الصدى والتأثير الكبيرين لحرب الريف على الحركات التحررية بالعالم، وبالتالي، فإنهم يجهلون مدى تأثيرها القوي  على حركة المقاومة الفلسطينية التي استفادت كثيرا من تجربة حرب العصابات التي ابتكرها الريفيون أثناء مواجهتهم الشعبية للإسبان والفرنسيين، وهي التجربة التي استنسخها مؤسس الثورة الفلسطينية الشهيد عز الدين القسام. وربما نتيجة لهذا السبب يطرحون ذلك  السؤال المذكور أعلاه.

هكذا مواقف لا تمثل القييم الأخلاقية والفكرية والإنسانية للريفيين الأحرار المتشبثين بقيمهم الثقافية والأخلاقية، والمؤمنين بالقيم الإنسانية والحداثية، وفي مقدمتها قيم العدل والكرامة الإنسانية

قبل التطرق إلى هذا الموضوع “الجديد” بالنسبة للأغلبية الساحقة من الريفيين، وخاصة أولئك الذين يطرحون السؤال الآنف الذكر بسذاجة وغباء، فأنا على يقين تام أنهم جميعا، أو على الأقل الاغلبية المطلقة منهم، لا يعرفون أن عز الدين القسام تأثر بشكل كبير من تجربة الخطابي في المقاومة.

هذه واحدة. أما الثانية فإنهم لا يعرفون أن القسام تضامن مع الريف والريفيين بشكل واسع، حيث نظم المظاهرات التضامنية مع الريفيين داخل حيفا وبلدات فلسطينية أخرى. كما أنني على يقين أيضا أنهم يجهلون الموقف المبدئي والإنساني لمولاي محند من القضية الفلسطينية التي دعمها  فعلا وقولا. فعلى مستوى الفعل المباشر أرسل الخطابي، برئاسة  المرحوم الهاشمي الطود آلاف المقاتلين من شمال إفريقيا للجهاد في فلسطين على إثر  اندلاع الحرب العربية الإسرائيلية سنة 1948. فعلى إثر النداء الذي أطلقه الخطابي للجهاد في فلسطين، استجاب له  حوالي خمسة  آلف مقاتل حسب علال الفاسي. كما استجاب له كذلك عدد هائل من الجنود المغاربيين الذين كانوا ضمن القوات الفرنسية المحاربة في الفيتنام،  حيث التحق عدد كبير منهم بصفوف المقاومة الفلسطينية. أما على مستوى القول، فالخطابي كان من كبار الناصحين والمستشارين للثورة الفلسطينية، حيث كان مفتى فلسطين آنذاك، السيد الحاج أمين الحسيني، الذي تولى قيادة المقاومة الفليسطينية بعد استشهاد عزالدين القسام سنة 1935، على اتصال دائم ومتواصل مع الخطابي. يذكر أن الحاج أمين الحسيني كان من الأوائل الذين زاروا الخطابي عند نزوله بالقاهرة سنة 1947، وهو (الحاج امين الحسيني) من دعى الخطابي للمشاركة في مؤتمر القدس سنة 1931، الذي لم يتمكن (الخطابي) من حضوره بسبب الأوضاع التي كان يعيشها آنذاك، وهي أوضاع المنفى  والإقامة الإجبارية!

قلنا، قبل التطرق لموضوع عز الدين القسام واستفادته من التجربة الخطابية، أود أولا التأكيد هنا  على النقطة التالية: إن الموقف المشار إليه سابقا هو موقف يسيء ،أولا، لشخص   الخطابي وفكره ومواقفه النبيلة عامة، ومن القضية الفلسطينية خاصة. فالاستعمار إذا كان له أعداء وخصوم مبدئيين، فالخطابي هو عدوه الأكبر  والرقم الصعب في المعادلة.  فكيف لا يتفاعل الخطابي مع القضية الفلسطينية القريبة منه روحا وفكرا وجغرافية وهو المناهض الشرس  للاستعمار؟ قد نختلف كليا بخصوص مواقف الخطابي جميعا، وبدون استثناء، لكننا لا نستطيع الاختلاف أبدا  حول الأمرين التاليين: الأمر الأول مناهضته وكراهيته للاستعمار أينما كان. والأمر الثاني عشقه للحرية والدفاع عنها في جميع الأصقاع، ومن يختلف حول هاتين النقطتين يكون جاهلا بشخصية الخطابي وفكره التقدمي المستنير. نقطة .وعلاوة على هذا، فالموقف المناهض للقضية الفلسطينية وللعرب عامة، يسيء كذلك للريفيين ولا يمثلهم. ببساطة تامة، هكذا مواقف لا تمثل القييم الأخلاقية والفكرية والإنسانية للريفيين الأحرار المتشبثين بقيمهم الثقافية والأخلاقية، والمؤمنين بالقيم الإنسانية والحداثية، وفي مقدمتها قيم العدل والكرامة الإنسانية!

عزالدين القسام والخطابي

عز الدين القسام هو الجناح العسكري لحركة حماس، هذا ما يعرفه أغلبية الناس، بمن فيهم أولئك الذين يناهضون القضية الفلسطينية لسباب ودوافع نفسية وعرقية وأيديولوجية ولغوية نابعة من ترسبات الماضي.  هذا من جهة، ومن جهة أخرى نابعة من الأحكام السلبية المسبقة تجاه القضية الفلسطينية والعرب عامة. ترى  من هو عز الدين القسام؟

بداية نؤكد هنا أن  عز الدين القسام هو مواطن عربي من أصول عراقية سورية. ولد ببلدة جبلية  الواقعة قرب اللاذقية على الساحل السوري. بعد مكوثه لفترة طويلة في مصر (1896- 1906)، عاد إلى سوريا سنة 1906 بعد حصوله على الشهادة العالمية من الأزهر الشريف بمصر. عاد إلى سوريا من أجل خوض حرب طاحنة ضد الاستعمار الفرنسي. ومع احتلال إيطاليا لطرابلس سنة 1911 التحق بالثورة الليبية التي قادها عمر المختار ضد الإيطاليين لمدة عشرين سنة، وبعد مدة (حوالي سنتين) عاد إلى سوريا مرة أخرى لتنظيم المقاومة هناك ضد الفرنسيين، مستفيدا من تجربته الحربية بليبيا. ثم بعدها انتقل إلى حيفا لمقاومة الاحتلال البريطاني هناك، خاصة بعد الوعد البريطاني للصهاينة بإقامة وطن قومي لليهود (وعد بلفور سنة 1917).

وفي سنة 1923 أسس الحزب الشيوعي الفلسطيني.وكان تجمع الفلاحين والعمال الفلسطينيين في حيفا عام 1921، بمثابة النواة الأولى لتأسيس هذا الحزب. بالاضافة إلى هذا أسس القسام منظمة  “العصبة القسامية”  ثم “اللجنة العليا العربية”  التي ستتحول سنة 1964 إلى منظمة التحرير الفلسطينية. وعلى إثر الأصداء التي خلفتها انتصارات الثورة الريفية في أنوال، وغيرها من المواقع، نظم القسام مظاهرات عارمة تضامنا مع الثورة الريفية، كما عمد إلى جمع التبرعات المالية للثورة الريفية. . كما يعد القسام أول من أدخل حرب العصابات على منهج الثورة الفلسطينية، متأثر بتجربة الخطابي في المقاومة.

بالنسبة لموقف الخطابي الداعم والمساند للقضية الفلسطينية، فقد أكده القيادي في حركة حماس، خالد مشعل، على هامش مشاركته في مؤتمر حزب العدالة والتنمية أيام 14- 15  يوليوز 2012 .

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق