على إثر القراءة التي نشرتها خلال الأسابيع الماضية على الموقع الإلكتروني أرابيكا نيوز [حوار+]، حول كتاب الدكتور محمد أونيا الصادر تحت عنوان: “عبد الكريم الخطابي وأسطورة الانفصال (1921-1926) .. حفريات نقدية في خطاب الجمهورية”، والذي ينفي من خلاله الكاتب بشكل قاطع أن يكون الخطابي قد أسس جمهورية كما هو سائد لدى عامة المؤرخين والباحثين المغاربة والأجانب.
وبعد قراءتي الدقيقة للرد الذي خصني به السيد أونيا مشكورا على كل حال، حيث اكتفى بإعادة إنتاج ما سبق أن قاله سابقا بخصوص موضوع أطروحته التي تفتقر – في نظرنا – إلى حجج وأدلة قطعية (وثائق تاريخية) تؤكد ما تدعيه من الآراء والقرارات القطعية والحاسمة، ومن ثم، فإنه عمليا لم يأت بأي جديد يعزز به أطروحته الهشة، أعني أنه لم يأت بدعائم جديدة تعزز أقواله ومواقفه الغامضة وأحكامه المتلبسة، كما كان منتظرا ومفترضا. شخصيا كنت أتوقع، أو بالأحرى كنت أتمنى، على الأقل أن يقدم السيد أونيا تبريرات وتفسيرات منطقية وعقلانية يدعم من خلالها روايته البئيسة. هذا من جهة، ومن جهة أخرى كنت أتمنى أن يقدم السيد أونيا إجابات مقنعة ومنطقية عن الأسئلة المطروحة عليه بدل الهروب إلى الأمام من خلال فبركة أسباب ودواعي عدم الإجابة عنها كقوله مثلا إنها أسئلة “مستفزة واستنطاقية”!! فلا أدري ما جدوى طرح الأسئلة إن لم تكن مستفزة ومقلقة؟ أما وصفها أيضا بأنها أسئلة “استنطاقية” فهي كذلك بالفعل، أسئلة تستنطق النص وليس الشخص (محمد أونيا) الذي لا حاجة لنا فيه.
بشكل عام، يبدو من خلال تعقيب السيد أونيا أن قراءتي، رغم أنها متواضعة، أوجعته وآلمته بشكل فضيع، هذا ما اتضح وتبين لي من خلال لغته وأسلوبه في الرد. طبعا كنت أتمنى أن يكون السيد أونيا راقيا ومقنعا في رده؛ أي أنني كنت أنتظر أن يكون رده منطقيا ومؤسسا في نفس الوقت، مؤسسا على أمور منطقية يقبلها العقل حتى وإن لم يكن يتوفر على حجج وأدلة مادية (وثائق تاريخية) ، أما وأنه قد فضل عن ذلك أسلوب التكرار والاجترار، واختار أيضا أسلوب” أمْزاوَا” / السفسطة عن أسلوب التواضع والوضوح، وانحاز إلى منطق “نْحَاسُو” والهروب إلى الأمام بدل اختيار منطق الحوار العلمي البناء، فذلك شأنه وليس شأني أنا. هذا ما كنت أتمناه صادقا في حالة عدم قدرته على تقديم الأدلة والبراهين القطعية التي تثبت صحة نتائجه القطعية بخصوص شكل وطبيعة الدولة التي أسسها الخطابي ورفاقه في قيادة الثورة إبان حرب التحرير. ونظرا كذلك إلى تدني مستوى رده “السخيف” حيث انزلق إلى استعمال أسلوب ولغة “سوقية” بامتياز في رده الأخير، وأعني هنا الجانب المتعلق بي شخصيا وليس بالجانب المخصص لقراءتي التي هي مفتوحة لقول ما يشاء بشأنها، علما أنني لم أتعرض لشخصه أو لعائلته بأي شكل من الأشكال، ورغم ذلك شتمني بدون سبب ومبرر مقنع وموضوعي.
لا أتذكر أنني أسأت إليه يوما ما ورغم ذلك تعرضت للقذف والشتم من طرفه، حيث تهجم علي شخصيا وليس على محتوى ومواد قراءتي، فهي مجرد قراءة متواضعة وليست دراسة علمية ولا تاريخية ولا نقدية بالمعني الحقيقي للنقد، ولا تدعي لنفسها الصواب والحقيقة المطلقة، وصاحبها ليس مؤرخا، ولا باحثا، ولا مثقفا ولا ناقدا ولا شيء آخر، بقدر ما يسعى إلى معرفة ماذا يحدث حوله من الأحداث والوقائع وفق ما تتيحه الإمكانيات المتوفرة لديه. ومن ثم، فأنا لا أكتب التاريخ كما يسعى ويروم السيد أونيا، وإنما أقرأ التاريخ (لا أدري إن كان السيد أونيا يدرك هذا الفرق بيني وبينه أم لا؟). وقد تمادى في الكلام إلى الحد الذي جعله يتهمني بأنني مريض ب “الشيزوفرينية”، هكذا!! لكل هذه الاعتبارات، كنت قد قررت، بعد تفكير عميق، عدم الرد والانسياق وراء أسلوب السيد أونيا، وذلك لسببين رئيسيين، الأول موضوعي، والثاني ذاتي. السبب الأول هو أنه لا فائدة من النقاش إذا كان سيمارس بهذا الأسلوب.. والسبب الثاني هو أنه لا يشرفني أن أناقش من يصف منتقديه بـ “الشيزوفرينية” وبأن كلامهم “سوقي” دون أن يدعم ذلك بالحجة والدليل.
ولكن، نظرا للمزايدات والترهات التي شملها تعقيب السيد أونيا، موضوع هذه المقالة، ارتأيت تقديم بعض الملاحظات الضرورية والمختصرة جدا، من أجل هدفين لا غير، أولهما هو محاولة تفادي سوء الفهم لدى متابعي هذا النقاش. خصوصا أن السيد أونيا مارس الكثير من التعسف والتلفيق، بل حتى أنه مارس الكذب المجاني كذلك. وثانيهما هو محاولة بيان بعض الهفوات والثغرات التي سادت وتسود في “نظرية اِدبْدوبْنْ/ الخزعبلات” التي ينهجها ويقدمها ويقترحها السيد أونيا، لعل بذلك نستطيع تنبيه القارئ إلى التخبط والخلط اللذين يميزان كتابات السيد محمد أونيا حول الموضوع السالف الذكر أعلاه.
وخلاصة الكلام: دامت لك “إمارتك الإسلامية” التقليدية المخزنية، ودامت لي جمهوريتي الديمقراطية الحداثية!