من حديث عابر عشية الإعلان عن بداية شهر رمضان..
الأول: إن شاء الله غادي تزيان الحالة.
الثاني: راها كتزيد وتخنز.
الشخص الثاني استخدم كلمة أخرى أشد تعبيرا عن “تخنز”، لا يصح إعادة استخدامها في هذا المقام، لكنها أكثر تعبيرا عن مشاعر الغضب والإحباط الذي وصل إليه المواطن، وهو يستعد “لمواجهة” شهر رمضان الذي أصبحت تكاليفه لا تحتملها جيوب أغلبية المغاربة.
أن تستعد لصيام شهر رمضان، معناه أن تستعد لدخول حرب متعددة الجبهات، بدءا من “اللوجيستيك”؛ أي المعدات الأساسية مثل ذخائر الإفطار من الشباكية ولوازم الحريرة وبعض المشهيات كالحلويات، فضلا عن مسحوق “سلو” الذي بدأ يغزو بعض الموائد أو “منصات” بدء الهجوم بعد دوي صوت مدفع رمضان. أجدادنا كانوا بارعين حينما وضعوا ثقتهم في صوت المدفع بدل صوت المؤذن لكسر صيامهم. صحيح أن الأمور تغيرت الآن، وصار الصائمون يعتمدون على وسائل إنذارية أخرى لمعرفة وقت الإفطار، ولكن وقع المدفع ما يزال مستحكما في ذهنية الصائم.
الجبهة الثانية هي تزويد مائدة الإفطار يوميا بما يليق بمقامها. وهنا يتعين مقارعة الجزارين والسماكين والخبازين والخضارين وحتى “الحراشين”؛ أي صناع “الحرشة”. هذه الصناعة الجديدة في حرب رمضان، تشبه صناعة “الدرونات” في الحروب الجديدة. فهي وإن كانت حديثة الاستخدام على الموائد الرمضانية، وخاصة في الريف، إلا أنها أضحت ضرورية. “الحرشة” مثل “درون” تماما. مفعولها ردعي وهجومي في ذات الوقت، لأنها سهلة الاستخدام، قليلة التكلفة، وقد تعوض عن وجبة كاملة وخاصة لدى الفئات الدنيا من كتائب الصائمين.
ثم تأتي جبهة الفرجة. قديما كانت الأسرة تتحلق حول تلفاز يتيم في البيت، يبث مسلسلا يتيما على مدى شهر كامل، وكفى المؤمنين شر القتال. أما اليوم فلا بد من التنقل عبر قنوات / جبهات محلية وأجنبية، تقدم كلها مختلف أنواع أسلحة المواجهة. فالمسلسلات الدينية لها قاعدتها، وغالبا ما يتم استعمالها في الميدان في الفترة ما بعد العصر إلى ما قبيل المغرب. ثم يأتي موعد الإفطار، وبعده مباشرة تبدأ المسلسلات الترفيهية فيما يسمى بوقت الذروة. وهنا يتعين الاختيار، وهو اختبار صعب، بين المسلسل الترفيهي ومسلسل الخروج لصلاة التراويح. قديما كان المداوم على الصلاة طيلة السنة هو الذي يواظب على صلاة التراويح. أما اليوم، فالذي لا يصلي طيلة السنة هو الذي يلتزم بالقيام بنافلة التراويح. مرة سمعت خطيبا في إحدى المساجد الأوروبية يقول منبها، خاصة بعدما لاحظ الزحام غير المبرر خلال شهر رمضان ليلا: أيها الناس، إن صلاة التراويح ليست فرضا وإنما هي سنة وتعد من النوافل. والنوافل يمكنكم أن تؤدوها في بيوتكم. خلق هذا التنبية نوعا من البلبلة. من “أيها الناس” من قال: أن تأتي للصلاة مرة واحدة في المسجد خير من ألا تأتي أبدًا. منهم من قال: وهل في الصلاة سنة ونافلة؟ ومنهم من عبر عن استهجانه قائلا: هل هذا مسجد أبيه حتى يمنعنا من دخوله؟
قد تجد في رمضان كل شيء إلا رمضان. الصوم من حيث الشكل معناه أن تتذكر الجياع والذين لا حيلة لهم لسد الرمق. وفي العمق، هو فرصة للوقوف مع الذات. تراجعها، تقوّم أعطابها، تجدد التواصل النقي بينك وبين الخالق، تعطي للجسم ما هو أقل، وتمنح للروح ما هو أهم وأبقى. غير أن الشكل غلب العمق. ولذلك يخوض الصائم معارك طاحنة لكسب معركة البطن. أما معركة الروح، فيبدو أنها معركة خاسرة.
معركة أخرى تتجدد كل شهر رمضان، وهي من المعارك القديمة والطويلة، مثل حرب البسوس عند العرب في الجاهلية ومعركة السبعين سنة في أوروبا العصور الوسطى، وهي معركة حقيقية أيضا. ذلك أن هناك فئة من الناس، تكون مسالمة طيلة السنة، إلا أنها تشتعل مثل الكبريت عند أول احتكاك. فترى الشجار بالأيدي وبالسيوف وبالسواطير وبكل أنواع الأسلحة البدائية. التوقيت المفضل لهذه الفئة كي تخوض معاركها هو قبيل آذان المغرب بساعتين. ولذلك يُستحسن عدم مغادرة البيت في هذا التوقيت، حفاظا على السلامة الوطنية.