حاوره إلياس الخطابي
– السؤال الأول: مرحبًا بك، الكاتب عبد العزيز العبدي، الأديب المتفرد. بدايةً، نشكرك على قبول الدعوة وعلى سعة صدرك. قبل الشروع في الحديث حول أعمالك، كيف تنظر إلى ذلك الطفل الذي كنتَه؟ وهل القراءة صاحبتك منذ الصغر؟ -أنظر إلى مرحلته، لا إليه، بالكثير من الحنين والسخرية. لم أكن مُواظبًا على مستوى الفصل الدراسي، لكنني كنت أهرب إلى روايات وقصص تناسب المرحلة العمرية حينها، مثل أعمال محمد عطية الإبراشي.
– السؤال الثاني: -لك عدة روايات. ما يميزك هو أنك تكتب عن الواقع بطريقة تجذب القارئ، مهما كان صنفه. عبد الكبير الخطيبي يقول في أحد كتبه: “الأدب هو تغيير نسبي للأوضاع”. كتبت رواية “كناش الوجوه”، وهي تدور أحداثها في الفضاء الافتراضي. هل كتبت هذا العمل من أجل تغيير شيء ما، كاستخدام المغاربة لما هو افتراضي مثلاً؟ -لا أدري إن كان عليّ أن أتفق مع الكاتب الكبير عبد الكبير الخطيبي. للكتابة أدوار متعددة حسب متوقعها الاجتماعي، الطبقي، والسياسي. قد تكون تغييرًا نسبيًا في الأوضاع أو تكريسًا لأوضاع سيئة. الكتابة في حد ذاتها أداة، ويجب أن ننظر إلى اليد التي تمسك هذه الأداة. و”كناش الوجوه” كان، بشكل من الأشكال، انخراطًا في دينامية التغيير التي عرفها المغرب مع حركة عشرين فبراير. بهذا المعنى، يمكن الاتفاق مع الكاتب عبد الكبير الخطيبي.
– السؤال الثالث: -لك رواية أخرى معنونة بـ “الدبابة”، وهي تحاكي الواقع السياسي بالمغرب. أنت مرتبط بالسياسة وتتابع ما يحدث، لكنك في الكثير من المرات نجدك تسخر مما يقع، لأن ما يحدث وكأنه نوع من الجنون. هل في نظرك أن الكاتب واجب عليه أن يكون متابعًا للسياسة ومنخرطًا فيها؟ -ليس هناك كاتب لا يتابع مجريات النقاش السياسي. السؤال دائمًا: من أي جهة يشتبك معها؟ الادعاء بالابتعاد عن السياسة في الكتابة الأدبية هو متوقع في جهة الخطأ، في جهة الاستبداد، في جهة السلطة الحاكمة ضد المحكومين. لا أعيب هذه الاختيارات من طرف كتاب وروائيين، لكنني أشعر أن هذا ليس موقعي وليس اختياري.
– السؤال الرابع: استرسالًا في السياسة وما يحدث في الواقع المغربي والعالمي، كتبت رواية سياسية إن صح التعبير، وسميتها “طرسانة”. وتتحدث عن عسكري تم القبض عليه من طرف البوليساريو، وظلت حبيبته تنتظره لأكثر من عشرين سنة لتلتقي به. انطلاقًا من اهتماماتك السياسية، هل الكاتب عبد العزيز يعتبر السياسة مادته الأساسية في الكتابة الأدبية؟ -أسست لنفسي نموذجًا للكتابة الروائية. لا أدعي أنه صحيح وسليم، لكن إلى حدود الساعة أتوفق في الترويج لما أكتب من هذا المنظور: لكتابة الرواية يلزمك نسق اجتماعي، شرط سياسي، وقصة إنسانية. وبهذا، تعتبر السياسة أو النسق السياسي عمودًا أو مادة أساسية في الكتابة الأدبية.
– السؤال الخامس: -في الآونة الأخيرة، نشرت رواية “المغتصبة”، ولقيت استقبالًا كبيرًا من القراء، وكُتب عنها مقالات متعددة. هذا النص يتحدث عن امرأة قروية يحاول اغتصابها وحرقها بعض الشبان الذين لهم علاقات نافذة مع الأطراف السياسية. هل هذه الرواية محاولة لإنصاف المرأة المقهورة والمغتصبة حقوقيًا؟ -في تعليق لإحدى القارئات، كتبت عبارة بليغة: “قد تأتي العدالة على شكل رواية”. إنصاف المرأة بشكل عام، وفاطمة المسارية بشكل خاص، سيكون عنوانًا ليس لنجاح الرواية في حد ذاتها، بل لنجاح قيم العدالة والخير والإنصاف. وهذا ما نتمناه.
– السؤال السادس: -أنت تستغل الوسائل الحديثة، مثل الفيسبوك وما إليه، من أجل الترويج لكتبك. هل تعتبر هذه الوسائل أساسية وضرورية من أجل فرض الكتاب والإبداع على القارئ؟ -الكتاب يحكمه بعدان: بعد إبداعي، وهو ما لن أناقشه هنا، فهو موكول للذائقة القرائية للجمهور. وبعد تجاري سلعي، يخضع لآليات السوق: طلب وعرض، إشهار وماركيتينغ. ما أقوم به كان يُمارس سابقًا، حين ينشر الكاتب كتابًا ما، تُرسل نسخ منه إلى الجرائد الورقية والإذاعات. لماذا؟ ليتحدثوا عن الكتاب، وللتعريف به. لا أدري لماذا نقبل إشهار مسحوق لتكبير الأرداف ونرفض وصلاً للتعريف برواية؟
– السؤال السابع: -يُقال عادةً إن السخرية السوداء يعتنقها الإنسان حينما يصل إلى درجة من التشاؤم في تغيير بعض الأوضاع، أو يكون متشائمًا مما هو معروض في جميع المجالات. كل من يتابعك ويقرأ ما تنشره في صفحتك بالفيسبوك يجدك تسخر من بعض الأشياء. هل السخرية في نظرك وقاية من الجنون في عالم ظالم؟ -السخرية هي فشل في حمل حجارة أو مدية. السخرية هي أقسى مراحل الانهزام، وأنا أعي جيدًا أنني منهزم في هذه الحياة.
– السؤال الثامن: -أصدرت رواية جديدة بعنوان “حريق الدم”. لو تحدثنا قليلاً عنها، وماذا يميزها عن رواياتك الأخرى السابقة؟ -“حريق الدم” هي تجربة أخرى في مسار الكتابة التي اكتويت بها. تحكي جرحًا في الذاكرة الإيطالية، خاصة منطقة الشمال، الذي تسببت فيه القوى الإمبريالية في صراعها بين أطرافها في الحرب العالمية الثانية. وتم ذلك بواسطة فرقة الكوم التي كانت تتكون من مجندين مغاربة سُذّج، استُعملوا في حرب ليست حربهم. الجرح اتخذ اسم “ماروكيناد” في إشارة إلى هؤلاء المغاربة.
– في الأخير: كلمة أخيرة للقراء، ولجميع الذين يعرفونك والذين لا يعرفونك. -لا تقرأوا ما أكتب، ستصابون بوباء البحث عن حياة فضلى غير موجودة