حوار جمال حميد / تقديم محمد الزياني – الفقيد الدكتور قاضي قدور هو ابن قبيلة آيت سيدال أوذرار/ الناظور ، بها ازداد سنة 1952.. وهو من الرواد الأوائل للحركة الأمازيغية وواحد من رموزها على الصعيدين الأكاديمي والجمعوي ، حاصل على دكتوراة السلك الثالث بجامعة السوربون الجديدة بباريس سنة 1981 ثم دكتوراة الدولة بنفس الجامعة سنة 1990،
عمل استاذا باحثا بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ـ ظهر المهراز ـ فاس في الفترة الممتدة بين 1977 و1995، وبها ترأس شعبة اللغة الفرنسية وآدابها بين سنتي 1990 و1992 .. من كتبه التي أغنى بها البحث العلمي في مجال اللسانيات ” Transitivité et diathèse en Tarifite ” الذي يعد من أهم المراجع المعتمدة اليوم في الشأن اللغوي الأمازيغي عموما والشق الريفي منه خصوصا ..
تعرض قاضي قدور وزوجته أمل الركّالة، أستاذة اللغة الأسبانية بنفس الكلية بفاس، لحادثة سير مروعة بنواحي مدينة مكناس، توفي قدور على إثرها بتاريخ 15 شتنبر 1995 ، في حين دخلت زوجته في غيبوبة دامت سنوات قبل أن تلفظ هي الأخرى أنفاسها الأخيرة، تاركين طفلين: أنس وليلى في كنف جدهما بمدينة طنجة … لتظل هذه النهاية التراجيدية المحيرة محل تساؤلات وسط الرأي العام، في مقدمته مناضلي الحركة الأمازيغية، دون أن يعثروا لها عن جواب شاف إلى اليوم …
هذا الحوار الإذاعي الذي أجراه الأخ جمال حميد مع الفقيد قاضي قدور بتاريخ 05/05/1995 ـ باسم راديو أوتريخت / هولندا ـ يكتسي أهمية بالغة بالنسبة لعموم المهتمين بالشأن الأمازيغي ولمناضلي الحركة الأمازيغية تحديدا، ذلك أن زمن الحوار يعكس لحظة استثنائية في مسار الفقيد، ومحطة من محطاته الإعلامية الأخيرة التي يكشف من خلالها الخطوط العريضة للمشروع العلمي الذي كان قد شرع في إنجازه، والذي من أولوياته: تدريس الأمازيغية للجالية المغربية بهولندا، كما يكشف من جهة أخرى، منظوره لما كان ينبغي أن يكون عليه معهد الدراسات الأمازيغية بالمغرب الذي لطالما نادى به الفقيد خلال ملتقياته الفكرية والعلمية، وكذا الملتمسات التي رفعها من خلال جمعية الانطلاقة الثقافية بالناظور (1978 ـ 1984) وخلال دورات الجامعة الصيفية بأكادير منذ سنة 1980، ذاك المعهد الذي شكل دوما إحدى أولويات مطالب الحركة الأمازيغية بالمغرب، كثيرا ما ألح الفقيد على ضرورة إخضاعه لمواصفات علمية وبيداغوجية تنأى به عن كل توظيف سلطوي إيديولوجي… ويتبين أن بعض مقترحات الفقيد التي تضمنها الحوار، أتت ضمن المهام الموكولة للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية (الذي أنشئ بعد رحيل قدور قاضي)، لكن بعد أن أزيحت عن سياقها التاريخي والعلمي، وكذا السياسي. كما نلمس في الحوار أيضا، منظور الفقيد للحركة الأمازيغية ولمستقبل إمازيغن بالمغرب وبشمال إفريقيا ودول الساحل و الشتات، تأسيسا على منهجية علمية تستحضر الشروط التاريخية ومقومات تطور الأمازيغية ثقافة ولغة بشكل متناغم مع السياق التاريخي لتطور المجتمعات والدول المعنية.
وبما أن فقيدنا كان من ألمع المتخصصين في مجال اللسانيات بحثا وتدريسا، فلم يفته التدقيق في مدخلات ومخرجات مسألة الكتابة ومعضلة التدريس انطلاقا من انشغاله المهني الأكاديمي والتربوي، في علاقته بطلبته وحبه الشغوف لهم، وهو الجانب الذي كان وراء استعجال عودته للمغرب، مختصرا مدة اشتغاله بمشروع تدريس الأمازيغية للجالية المغربية بهولندا (من 3 أشهر إلى شهرين) حرصا على وفائه والتزامه بهذا الموعد المهني المرتبط بالتوجيه والإشراف على بحوث الطلبة مع متم السنة الدراسية 1994/1995 بجامعة فاس، هذه المدينة التي أحبها واستقر بها مع رفيق دربه مرزوق الورياشي: الثنائي اللذان شكلا معا علامة بارزة في النضال الأمازيغي والديمقراطي بالريف في فترة مبكرة ضمن إحدى قلاع وبؤر هذا النضال: جمعية الانطلاقة الثقافية بالناظور التي ارتبط وجودها وإشعاعها بمثل هؤلاء الشباب الحامل لثقافة ديمقراطية بديلة، كلها تحد من أجل إيجاد موطىء قدم للأمازيغية لغة، ثقافة ،هوية وحضارة ضمن الرقعة الثقافية الوطنية الشاسعة التي سبق أن غمرها طمي وترسبات جمعيات الوديان والسهول والبحار وقتذاك.
فتحية خاصة للرفيق جمال حميد على هذا الإنجاز الإعلامي الهام الذي سينير جوانب هامة في فكر وتطلعات الفقيد التي ما أحوج جيلنا الحالي إلى معرفة قيمتها والكشف عن خلفيتها العلمية والأكاديمية المؤسسة لإسهامات هذا الباحث الاستثنائي الذي فقدته الحركة الأمازيغية والبحث العلمي عندنا في ريعان شبابه وفي وج عطائه العلمي.
(يتبع)