كشفت الوثائق المسربة مؤخرا من البنتاغون عدة معلومات استخباراتية وذكرت وسائل الإعلام منها ما يتعلق بالخصوص بالحرب الدائرة في أوكرانيا التي برزت بشكل واضح في تلكم الوثائق وركزت وسائل الإعلام الأمريكية عن ما ادعت أنه اختراق من طرف أجهزة استخبارات الولايات المتحدة لمنظومة الدفاع الروسية ومجموعة فاغنر العسكرية التابعة للجيش الروسي، وذلك من خلال اعتراض شبكة الاتصالات والتنصت على الأحاديث الدائرة في أرض المعركة، مشيرة إلى إمكانية تعرّض جواسيس المخابرات الأميركية للخطر.
لكن ما مدى صحة هذه المعطيات، وهل حقا تستطيع الولايات المتحدة الاعتماد على هذه المعلومات الاستخباراتية، ولماذا لم تنقل هذه المعطيات لحلفائها الأكرانيين ؟، ألا يتناقض هذا مع ما كشفت عنه نفس الوثائق بخصوص حقيقة ما يحدث على ساحة المعركة من اندحار متواصل لحلفاء واشنطن، وتقدم كبير للقوات الروسية.
أولا لفهم هذه التسريبات وجب فهم الأساليب العسكرية العمول بها دوليا، حيث يكون جيش ما على علم بقدرات العدو ومدى استطاعته رصد وتتبع الاتصالات، والاستماع إليها، وفي أقرب حدث ذو صلة تتبعه الرأي العام بهولندا كانت قضية إسقاط الطائرة MH17 التي قتل فيها 298 مسافر من جنسيات مختلفة أغلبهم هولنديون، والتي لوحق فيها جنرالات روس وحكم عليهم في محكمة هولندية غيابيا بالسجن مدى الحياة، وكان من بين المتهمين جنرال روسي يدعى Oleg Poelatov هو الوحيد الذي وكل محامية هولندية للدفاع عنه.
كان من بين الأدلة التي قدمتها النيابة العامة ضد Oleg Poelatov هو تسجيلات مسجلة ومعترضة من مخابرات الناتو يتحدث فيها هذا المتهم مع زملائه في اتصالات متعددة عن نقل الصواريخ الروسية إلى شرق أوكرانيا لاعتراض الطائرات هناك.
الغريب أن المتهم اعترف أثناء المحاكمة بكون التسجيلات صحيحة وأن الصوت صوته حيث يناقش موضوع نقل الصواريخ مع زملائه في اتصالات متعددة، لكنه أردف أن الأمر يدعى في هذا الميدان ب”إتصالات التشويش على العدو” وعلل ذلك بأن أفراد الجيش الروسي وقواده ليسو حمقى ويعلمون أن اتصالاتهم يمكن اعتراضها والتجسس عليها، ولهذا فإنه غالبا ما تكون هنالك اتصالات مفعلة على كل مستويات القيادة وغرف العمليات هدفها تضليل العدو وخلق حقائق وهمية لا علاقة لها بما يحدث على أرض الواقع.
المحكمة الهولندية بعد البحث علمت لاحقا بأن هذا النوع من التشويش أمر جاري به العمل وحكمت ببراءته لأنه لم يكن له دخل بأمر نقل الصواريخ إلى غرب أوكرانيا حينها.
وهنا أشير أن ما أحدثته الوثائق المسربة مؤخرا فيه تضليل إضافي للرأي العام خاصة في الولايات المتحدة وأوربا فالحقائق على الأرض هي من سيحسم المعركة، ومهما كانت مصداقية هذه الوثائق فهناك قدرة لدى صناع الرأي العام على توجيهها بما يخدم أجندات البيت الأبيض وحلفائه في المنطقة خاصة إسرائيل.