دعونا نكبر.. دعونا نواصل الحلم!!

11 ديسمبر 2022
دعونا نكبر.. دعونا نواصل الحلم!!
محمد أمزيان

“من حقنا أن نحلم .. من حقنا أن نكبر”، هذه الكلمات البسيطة في مظهرها والعميقة في جوهرها، هي التي أظهرت عبقرية الكفاءة المغربية. ما حققه وليد الركراكي في فعاليات كأس العالم المنظمة في قطر، ليس معجزة لأن زمن المعجزات قد ولى، وليس ضربة حظ لأن الحظ عابر. ما حققه الناخب الوطني الرياضي هو عمل واجتهاد وإخلاص.

حينما كان الناخب الوطني السابق يمزق الكرة المغربية بنفحة استبدادية سادية، كان في واقع الأمر يمزق أحشاء كل المغاربة. المستبد لا يسمع، لا يرى، لا يحس. المستبد يفكر في نفسه، في كبريائه، في شرفه الذي يظن أن الرأي الآخر يخدشه. كان على الركراكي، عندما تسلم زمام قيادة سفينة المنتخب التي كانت في مهب الريح، كان عليه أولا أن يرمم الجراح. وهنا لم يفكر في استقدام مسكّنات أجنبية لتخفيف الآلام، إنما انطلق من عمقه المغربي، من عبقريته التي تجري في شرايين كل المغاربة. الحُب لا يُزرع ببذرة هجينة. الحب عطاء قبل كل شيء. وليد الركراكي أعطى الحُب وحصد قلوب المغاربة والناس أجمعين.

كلما دُعي الركراكي للحديث إلا وتكلم عن الحُب، والثقة، والاحترام. لم يدّع ولا مرة واحدة أنه “هو” السبب في هذا الإنجاز الرياضي غير المسبوق، بل يثني على “أدوات” عمله، يفكر في كل فود من أفراد فريقه، من جامع الكرات إلى الطبيب المعالج. ينسى نفسه تماما. هذا هو “القائد” الإنسان، ربان السفينة الذي ينذر حياته لسلامة الآخرين، ركابا وعاملين. مثل هذا القائد هو الذي يريده كل فرد من أفراد الشعب المغربي في قطاع التعليم والصحة والعمل والتشريع، وكل القطاعات التي تجعل حياة الناس جديرة بأن توصف بأنها حياة.

مرة أخرى، إن ما قام به الركراكي ليس معجزة ولا حظا ولا خفة ساحر. هو فقط الرجل المناسب في مكانه المناسب. هذا الشخص، الذي ترك الأرض التي شب فيها وتعلم فيها مهنته واختار الأرض التي تشرَّب عبقريتها، يحمل رسالة مفادها: يمكن لنا أن نكبر، وهذا كلامه الذي أطلقه بعد التأهل للدور الثاني، واعتُبر ضربا من الهذيان. هكذا حال الكبار دوما، يبدأون صغارا ثم يكبرون.

مشاعر التضامن الشعبي من أقصى نقطة في آسيا إلى أبعد كوخ في إفريقيا مرورا بكل البقاع التي مزقها اليأس والإحباط، لم تنطلق من دافع المجاملة العابرة، لكنها جاءت من أعماق الجوارح البشرية. هذا الحب الذي نقله عبر لاعبيه إلى كل بقاع الدنيا، لم يكن ليتحقق لولا الصدق في العمل، والإيمان بالقدرات الذاتية. هي قدرات غائبة أو مُغيَّبة، لكنها موجودة، تنتظر من يريد الاستفادة منها.

الناخب الرياضي، على عكس الناخب السياسي في صورته العامة، يعرف أن الإخلاص والثقة والحب وتجاوز الأنانية والمصلحة الذاتية، هي مفاتيح السعادة. ومن لا يريد إسعاد أهله وشعبه؟ لقد أسعدنا جميعا. أسعدنا في المهجر، أسعدنا في المغرب النافع، أسعدنا في المغرب غير النافع، وسلمنا مفاتيح حلم جميل. كأنه يقول لنا: إننا فعلا قادرون أن نكبر، قادرون أن نتجاوز خلافاتنا، قادرون أن نتضامن، قادرون أن نتسامح، قادرون أن نعبر إلى بر الأمان إذا “درنا النية” في قدراتنا وأزلنا الخوف الذي نتشبث به كلما ارتفع صوت يدعو إلى الثقة في النفس، الثقة في الكفاءات ونبذ المحسوبية والحسابات الضيقة القاتلة.

إن تنوع عناصر المنتخب المغربي الذي يواصل تسجيل ملاحم كرة القدم في قطر، هو النموذج المثالي لتنوع العبقرية المغربية. حينما دعا عاهل البلاد إلى الاستفادة من هذا التنوع، وفتح المجال للكفاءات المُضيّعة في المهجر، فإنه كان يدعو في ذات الوقت إلى اقتفاء أثر العبقرية المغربية في الشتات لتكون رافدا رئيسيا للإقلاع العقلاني. لمَ لا نحلم أن نكون أمة قادرة على النهوض، قادرة على إدارة أزماتها بإرادتها، قادرة على تجاوز الأعاصير مهما علت وتجبرت.

ليلة الانتقال إلى نصف نهاية كأس العالم، هي ليلة الانتصار على الخوف، ليلة استعادة الثقة في النفس، ليلة زرع السعادة على كل الوجوه.

ومع كل هذا، فإن هناك غصة في الحلق، وجرح في القلب، وعسى أن يكون هذا العرس الكروي بادرة خير للتفكير في إيجاد حل لسجناء الرأي من الريف، وسجناء الرأي الآخرين لكي نكمل فرحتنا، نلم شملنا ونطوي صفحة الألم…

دعونا نكبر إذن، دعونا نواصل الحلم !!!

* إعلامي مغربي مقيم في هولندا

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق