الكاتب: المرتضى إعمراشا
مع اقتراب عيد الأضحى، يجد العديد من المغاربة أنفسهم أمام قرار صعب: هل يشترون الأضحية على الرغم من الارتفاع الكبير في الأسعار، أم ينصاعون لضغوط المقاطعة التي بدأت تنتشر بين الأصدقاء والأقارب؟ هذا التساؤل يصبح أكثر إلحاحًا في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الكثيرون، وخاصة في مدينة الحسيمة والمغرب عمومًا.
الغلاء الفاحش: تحديات واقعية
تشهد أسعار الأضاحي ارتفاعًا ملحوظًا هذا العام، مما يزيد من الأعباء المالية على الأسر المغربية. فمع تزايد تكاليف الحياة اليومية، يصبح من الصعب تبرير إنفاق مبلغ كبير على الأضحية، خاصة عندما تتزامن هذه الفترة مع متطلبات مالية أخرى مثل مستلزمات المدرسة أو الضروريات اليومية.
الضغط الاجتماعي: بين التقاليد والمقاطعة
يعد عيد الأضحى مناسبة دينية واجتماعية هامة، حيث يمثل شراء الأضحية تقليدًا متوارثًا عبر الأجيال. ومع ذلك، بدأت تظهر حركة مقاطعة تدعو إلى الامتناع عن شراء الأضاحي هذا العام احتجاجًا على ارتفاع الأسعار. هذه الحركة تتسبب في ضغط اجتماعي كبير على الأفراد، خاصة عندما يواجهون ضغوطًا من الأصدقاء والأقارب الذين قرروا المشاركة في المقاطعة.
القرار الشخصي: بين الرغبة والإمكانات
أمام هذه التحديات، يصبح القرار شخصيًا ويعتمد على عدة عوامل:
1. *الأولويات المالية*: يجب على كل فرد أو أسرة تقييم وضعهم المالي. إذا كان شراء الأضحية سيؤدي إلى ضغوط مالية كبيرة أو تأثير سلبي على الميزانية الشهرية، فقد يكون من الحكمة إعادة النظر في القرار.
2. *التعاون مع الآخرين*: يمكن التفكير في خيارات بديلة، مثل شراء الأضحية بشكل مشترك مع أفراد الأسرة أو الأصدقاء لتقليل التكلفة، مما يحافظ على روح العيد ويقلل من العبء المالي.
3. *البدائل الممكنة*: في حال قررت عدم شراء الأضحية، يمكن التوجه نحو التبرع بقيمة الأضحية للجمعيات الخيرية أو المساهمة في أعمال الخير بطرق أخرى. هذا الخيار يسمح بالمشاركة في روح العيد دون تحمل تكاليف مالية كبيرة.
4. *الضغط الاجتماعي*: من الطبيعي أن تتأثر بالضغط الاجتماعي، لكن يجب أن يكون القرار مبنيًا على الظروف الشخصية وما تراه مناسبًا لك ولعائلتك. التواصل المفتوح مع الأصدقاء والأقارب الذين قرروا المقاطعة قد يقدم لك منظورًا مختلفًا ويساعدك على اتخاذ قرار مستنير.
الأضحية: واجب ديني أم سنة مؤكدة؟
من المهم تذكر أن الأضحية ليست واجبًا مطلقًا في الإسلام، بل هي سنة مؤكدة. في المذهب المالكي، يعتبر تقديم الأضحية سنة مؤكدة على القادر عليها، ويشير الإمام مالك (ولد 93 هـ / 711 م – توفي 179 هـ / 795 م) إلى أن من لم يستطع شراء الأضحية فلا حرج عليه ولا إثم، لأن الله لا يكلف نفسًا إلا وسعها.
بحسب الفقه المالكي، كما يوضح الإمام ابن رشد (ولد 520 هـ / 1126 م – توفي 595 هـ / 1198 م) في كتابه “بداية المجتهد ونهاية المقتصد” (صفحة 455)، يُعد تقديم الأضحية من القربات المحبوبة إلى الله، ولكنها ليست واجبة على كل مسلم. ويشدد الإمام القرافي (ولد 626 هـ / 1229 م – توفي 684 هـ / 1285 م) في كتابه “الذخيرة” (صفحة 489) على أن القدرة المالية هي المعيار الأساسي لتحديد ما إذا كان المسلم يجب عليه تقديم الأضحية أم لا.
في المذهب الشافعي والحنبلي، الأضحية أيضًا سنة مؤكدة للقادر، بينما يعتبرها بعض فقهاء المذهب الحنفي واجبًا على من يملك القدرة المالية.
آراء الفقهاء:
– *الإمام مالك (93 هـ / 711 م – 179 هـ / 795 م)*: يرى أن الأضحية سنة مؤكدة للقادر، ومن لم يستطع فلا حرج عليه.
– *الإمام ابن رشد (520 هـ / 1126 م – 595 هـ / 1198 م)*: يؤكد أن الأضحية قربة محبوبة ولكن ليست واجبة. [بداية المجتهد ونهاية المقتصد، صفحة 455].
– *الإمام القرافي (626 هـ / 1229 م – 684 هـ / 1285 م)*: يوضح أن القدرة المالية هي المعيار الأساسي للأضحية. [الذخيرة، صفحة 489].
– *فقهاء الشافعية والحنابلة*: يتفقون على أن الأضحية سنة مؤكدة.
– *فقهاء الحنفية*: يعتبرونها واجبة على من يملك القدرة المالية.
آراء العلماء المعاصرين:
*علماء الأزهر الشريف*:
– أكد الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، أن الأضحية سنة مؤكدة للقادر، وأنه لا حرج على من لا يستطيع القيام بها نظرًا للظروف الاقتصادية الصعبة.
*علماء المغرب*:
– أشار المجلس العلمي الأعلى بالمغرب إلى أن الأضحية سنة مؤكدة، ودعا المسلمين إلى مراعاة ظروفهم الاقتصادية وأن الله لا يكلف نفسًا إلا وسعها. وأوضح الشيخ محمد يسف، الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى، أن التضامن والتكافل يمكن أن يكون بديلاً مقبولاً في حال عدم القدرة المالية.
*علماء مجالس الإفتاء في أوروبا*:
– أفتت المجالس الأوروبية للإفتاء، مثل المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، بأن الأضحية سنة مؤكدة للقادر عليها، وأنه في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، يمكن للمسلمين التبرع بثمن الأضحية للأعمال الخيرية كبديل.
يبقى قرار شراء الأضحية في عيد الأضحى قرارًا شخصيًا يتأثر بعدة عوامل اقتصادية واجتماعية. في ظل الارتفاع الكبير في الأسعار، قد يكون من المنطقي النظر في البدائل المتاحة التي تحقق الغاية من العيد دون تحمل أعباء مالية كبيرة. الأهم هو أن يكون القرار متوازنًا ويعكس الظروف الحقيقية للأفراد والأسر.