محمد أمزيان: روح رمضان

5 أبريل 2023
محمد أمزيان: روح رمضان

لا تبحث عن روح رمضان في شهر رمضان. ابحث عن طقوسه.

قٌدّر لي أن أصوم الأسبوعين الأولين من الشهر الفضيل في المغرب، وهذا لم يحدث لي منذ أكثر من ثلاثة عقود من الزمن. عليّ أن أعترف أن أمورًا كثيرة تغيرت وتطوّرت، على الأقل من حيث المظهر. ما شد انتباهي قبل أي شيء آخر هو خلو الشوارع في الصباح. تبدأ الحياة الرمضانية تدريجيا بعد الظهر، لتبلغ ذروتها قبيل موعد الإفطار، لتنتقل بعد ذلك إلى داخل البيوت: إفطار خفيف قد يُتبع بوجبة عشاء خفيفة مع السرعة المطلوبة، لأن صلاة العشاء تكاد تلتحق بالمغرب مباشرة. أقل من ساعة ونصف الساعة. يظهر لي أن سُنة التراويح أضحت ركنا أساسيًا لا يكاد يتخلف عنه أحد حتى أولئك الذين يتكاسلون في الالتزام بالفرائض.

قديما، أقصد قبل ثلاثة عقود أو أكثر بقليل أو كثير، لم تكن الرغبة في “حجز” مكان في المسجد لأداء التراويح همّا مشتركا. اليوم يتحدث رواد المقهى التي أرتادها عن هذا الطقس بخشوع واضح. هل يتعلق الأمر بظاهرة عابرة أم بعودة قوية للتدين؟ لا أدري. ما تأكد لدي هو أن هذه الممارسة تبوّأت مكانة مرموقة في ممارسات هذا الشهر.

مباشرة بعد أداء صلاة العشاء وتراويحه، تبدأ الحركة في المقاهي وفي الشوارع، والتجوال بجانب البحر. يستمر هذا الطقس إلى ما بعد منتصف الليل. وبمجرد العودة إلى البيت للاستراحة قليلا، أو لإغفاءة قصيرة، يبدأ “المسحراتي” في قرع الطبل. أتساءل أحيانا هل الساهرون في حاجة إلى وظيفة “المسحراتي” لمعرفة دنو وقت السحور؟ أعتقد أن هذا الطقس جزء لا يتحزأ من من العادات الرمضانية، ويجب أن يبقى. سمعت أن المسحراتيين، وهم متطوعون في الأصل، يمرون على بيوت الناس يوم عيد الفطر من أجل تحصيل “أتعابهم” ممن يريد أن يتصدق، لكن ذلك ليس إجباريا.

من المظاهر التي اكتشفتها أيضا، وهي محببة، أن بعض المساجد تتمتع بحظوة أكبر لدى المصلين، مقارنة بمساجد أخرى، وذلك راجع بالدرجة الأساس إلى توفرها على قراء ومرتلين جيدين. إذ هناك من القراء من يتمتع بملكات صوتية وتجويدية مؤثرة وجاذبة. ويظهر أن هناك شبه “منافسة” بين هؤلاء القراء لجذب أكبر عدد من الرواد المصلين.

تُنسينا الغربة كثيرا من العادات المتجددة في وطننا، والتي يعتقد المغتربون، مثلي، أنها لا تتغير. العادة ليست جمادا ساكنا، بل هي كائن دينامي، يتجدد على مدار الزمن. ما لا يتغير هو روح الأشياء، والروح هو الجوهر .. ومنها العبادات بطبيعة الحال.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق