توقف الكاتب في الفصل الأول عند نقطتين رئيسيتين:
النقطة الأول هي ظروف البلد الاقتصادية والسياسية والعسكرية التي مهدت الطريق للاستعمار، ويسحل بهذا الصدد أن مؤسسة المخزن كانت مع مطلع القرن العشرين شبه ميتة، وأن البلد كله كان منذ فترة بدون قيادة عليا حازمة (ص. 24). كما أن البلد كان ينخره الفساد والبداوة، بالإضافة إلى الحروب الداخلية (صفحات 19، 20 و23). هنا يسجل الكاتب خلاصتين، أولاهما: مسؤولية القوى الاستعمارية في تعميق ضعف المخزن وبالتالي دفعه من بعيد إلى الانهيار والسقوط (ص. 20)، تمهيدا لاحتوائه واستعماره بشكل مباشر. وبالتالي، فمسؤولية ضعف المخزن وتخبطه في الأزمات والفوضى هي مسؤولية مشتركة بين المخزن والقوى الاستعمارية.
وبتعبيره، يقول الكاتب “ليسا مسؤولين (يقصد هنا السلاطين وتحديدا عبد العزيز) وحدهما عن الإفلاس إذ أن التغلغل الفرنسي والأوروبي بشكل عام كان قد بدأ في عهد الحسن الاول، وعملية الرهن هذه لم تكن اختيارية..” (ص. 20). أمام هذه الوضعية المأسوية سيتعرض البلد للاحتلال الأجنبي خاصة من طرف فرنسا وإسبانيا، في زمن كانت فيه فرنسا “تقود” الإمبريالية الأوروبية بشكل عام. في هذا الإطار يؤكد الكاتب أن المغرب كان محطة تنافس دولي، أوروبي تحديدا، لأنه صار في وقت ما فريسة التنافس القوي الذي كان بين فرنسا وإنجلترا وإسبانيا من جهة، وبين فرنسا وألمانيا وإيطاليا من جهة أخرى، وهو التنافس الذي أدى بالقوى الاستعمارية الأوروبية إلى عقد سلسلة من الاتفاقيات التي أفضت في نهاية المطاف إلى عقد مؤتمر الجزيرة الخضراء يوم 6 يناير 1906 (ص. 26)، الذي شاركت فيه أزيد من 13 دولة أوروبية. وفي هذا المؤتمر تم تحديد مستقبل البلد (ص. 24).
في ظل هذه الأجواء المشحونة، سيظهر عنصر آخر على مسرح الأحداث، والذي سيكون له وزن وثقل فيما يجري بين الدول الأوروبية وفي خضوع واستسلام المخزن لهذه القوى. نتحدث هنا عن موقف الشعب المغربي الذي بدأ يستشعر خطورة الوضع مباشرة بعد أن شرعت فرنسا في إيصال قواتها من إفريقيا إلى المغرب، حيث بدأت القبائل تسحب ثقتها وبيعتها للسلطان بالتدريج إلى أن انتفض الشعب برمته تقريبا ضد عملية بيع البلد للقوى الاستعمارية. (ص. 25). في هذه النقطة بالذات يشير الكاتب إلى الدور الأساسي للعنصر الديني في بروز المقاومة المغربية.
انطلاقا مما سبق ذكره بإيجاز، يمكن القول إن الوضع الداخلي للمغرب آنذاك، وخاصة انتشار الفساد والاستبداد، كان أحد أسباب فشل وانهيار المخزن أمام القوى الأوروبية الطامحة للاستعمار، حيث خضع لها في نهاية الأمر، بعد أن أثقلته بالديون.
أما النقطة أو الخلاصة الثانية فتتعلق بمؤسسة المخزن ذاته، حيث إن السلطان آنذاك، بغض النظر عن الأطماع الاستعمارية، لم تكون له سلطة كاملة وشاملة على كل البلد. فالمغرب كما هو معروف كان مقسما آنذاك إلى مناطق، بعضها خاضع لسلطة المخزن، والآخر مستقل يخضع لشبه حكم ذاتي بدائي (ص. 19).
طبعا التنافس الأوروبي على المغرب أدى كما هو معروف إلى احتلال فرنسا للبلد بموجب اتفاقية فاس سنة 1912، حيث سيبدأ عهد جديد بين فرنسا والمخزن، وببن فرنسا والمخزن معا وبين الشعب الذي انتفض على الوضعية الجديدة، حيث انتفض الشعب على الوضعية الجديدة بشكل عفوي وعارم. ابتداء من سنة 1908 (ص. 37) حيث ستظهر آنذاك حركتان جهاديتان: الأولى في الجنوب بقيادة أحمد الهيبة، والأخرى في الشمال، وبالضبط في الريف الشرقي بقيادة الشريف محمد أمزيان. في ظل هذه المناخات والسياقات العامة، سيظهر الخطابي على مسرح الأحداث فيما بعد. وهو الموضوع الذي سنتعرض له في الجزء المقبل.
(يتبع)




