فريد بنقدور : المرأة الريفية بين متاهات خطابات مختلفة

23 يناير 2023
فريد بنقدور : المرأة الريفية بين متاهات خطابات مختلفة
فريد بنقدور

 

– هل يكفي تغيير القوانين والإقرار بحقوق المرأة لكي يستقيم وضع المرأة؟
– هل ظهور ما يسمى بنسيج المجتمع المدني النسائي بالريف ساهم إلى حد ما في مسلسل التوعية النسائية بحقوقها المدنية وجعلها امرأة منتجة خارج فضاء المنزل ومشاركة في العمل الاجتماعي الاقتصادي التربوي والسياسي وأعاد للمرأة الريفية كرامتها؟
– إلى أي مدى ساهم الخطاب الإسلاموي في استلاب هوية المرأة الريفية؟
– هل ظهور الخطاب الأمازيغوي الحالي الذي برز من أجل إثبات الهوية والثقافة واللغة الأمازيغية نجح إلى حد ما في إعادة الاعتبار لهوية المرأة الريفية؟
– هل يمكن اعتبار هبة حراك الريف بمثابة هزة وانفجار قويين حركا وعي المرأة الريفية بشكل ملفت للأنظار؟
امرأة الريف التقليدي
الريف التقليدي كان مجتمعا رجوليا/أبيسيا ( Misogyne) عرف تراتبا قمته الرجل تتوسطه المرأة ويأتي الطفل أسفل هذا التراتب. نسج المخيال الريفي عن المرأة صورا لاتليق بإنسانية المرأة، وشبهها بالثعبان (ذفيغرا) الذي يتوجب أخذ الحيطة والحذر الدائم منها. المرأة هنا لا تليق للاستشارة في الأمورالصغرى ولا الكبرى، لا تحق لها المشاركة السياسية ولا ارتياد المؤسسة الدينية (المسجد)، لا يأخذ برأيها في مدى قبول أو عدم قبول شريك حياتها، حين تولد لا يَطلق والدها أو جدها عيارات من بندقيه لا تطلق النساء زغرودة كإيذان بمولود جديد، إن تزوجت لا يحق لها زيارة أسرتها إلا مرة واحدة خلال السنة، تبقى طيلة حياتها تحت سيطرة حمتها وخاضعة لأوامرها، إن كانت عاقرا تنبذ، إن مرضت أو وضعت حملها لا يحق لها الركون إلى فترة النقاهة، إن شاء زوجها أن يتزوج عليها نساء أخر فله ذلك، خلال الحفلات يقدم لهن الأكل المتبقى من الرجال، إن سافرت يسبقها زوجها بأمتار وتتبع خطاه من ورائه، وإن تعرضت للحيف والظلم لا يحق لها تقديم الشكاية، والأنثى تفصل مباشرة عن عالم الذكور بمجرد وصولها سن البلوغ لتلتحق بمجتمع الصمت….
إلا أن المرأة الريفية التقليدية رغم ذلك حاولت جهد الإمكان بأن تفرض سلطتها التي انتزعها منها المجتمع الذكوري وذلك من خلال لجوئها إلى سلطة خفية تخصصت فيها وهي ممارسة السحر قصد التخفيف من سلطة الرجل المطلقة وأيضا من خلال سلطة الشعر الذي انفردت به وبرعت وأبدعت فيه كديوان خاص بها حتى أصبح إنتاجا ذو سلطة مقدسة كان الرجل يرى فيه نوعا من التنبؤ بأمور المستقبل.
رغم تنكر الريف التقليدي لها فقد كانت المرأة الريفية منتجة بامتياز: سواء داخل المنزل( طهي ريفي أصيل، غزل ونسج وحياكة، صيانة المنزل الريفي، صناعة الأواني الفخارية، مداوية، ) أوخارجه في الحقول،(تربية الحيوانات والدواجن، جمع الحطب، قطف العشب، سقي المياه، أعمال الفلاحة والغرس، … ) كانت المربية الأولى والأخيرة، وكانت الأكثر من هذا هي الناقلة الوحيدة للثقافة الرمزية من جيل لجيل (أنتجت شعرا، حكايات، رقصا، وشما، رسما،…ألخ.).
بهذا تعد المرأة الريفية بمثابة الوثيقة التاريخية (الشفوية) التي من خلالها يمكن أن يعتمد الدارسون والباحثون في المجال الاجتماعي لفهم طبيعة المجتمع الريفي التقليدي.
امرأة الريف المفكك / الخطاب الحداثي
تفككت بنية المجتمع الريفي التقليدي مع دخول الاستعمار الإسباني وزاد تخلخلا مع الاستقلال الشكلي الذي عمل على طمس هوية الريف الثقافية من خلال إدخال مؤسسات إدارية وتربوية غريبة عليه عمل على غرسها بالريف عنوة لتزيد بعد ذلك الهجرة (التهجير) إلى أوروبا لسواعد الرجال الفتية بدءا من نهاية الستينات من تفكيك البنية الأسرية الممتدة وظهور الأسر النووية مع تقلص الأسر الممتدة ويتم النزوح المكثف من القرى نحو مراكز حضرية جديدة يفضي الكل إلى إحداث تغيرات مجالية اجتماعية بالريف كانت من إحدى تمظهراته بروز المرأة التي أصبحت تشارك الرجل في المؤسسات والمجال العمومي رافقته لاحقا منظمات تعنى بقضايا المرأة.
توقفت الثقافة الريفية عن النمو الطبيعي جراء غزوها لقيم ثقافية خيلة غربية بوسائلها القوية التأثير ذات البعد الكوني جراء عزو الريف لثقافية شرقانية تسللت عبر مختلف المؤسسات وأصبحت مسيطرة بالقوة والإكراه واختلط علينا الحابل بالنابل وأضحىت الهوية اللغوية والثقافية الريفية في مهب الريح ومسألة المرأة الريفية موضع تساؤلات وتأويلات متباينة.
أصبح الجيل الجديد المتعلم الذي يتبنى قيما ثقافية غربية حداثية يتصورها بمثابة قيم كونية من قبيل الحداثة، المواطنة، حقوق المرأة، المساواة بين الجنسين، مناهضة التعنيف الأسري، مشاركة المرأة في المجتمع،… يساهم جادا في خلق ما أصبح يسمى بـمنظمات المجتمع المدني ليدافع عن هذه القيم الكونية. اكتسحت الجمعيات النسائية المدن والقرى وأصبحت منطقة الحسيمة تعج بعدة منظمات نسائية ترمي أهدافها إلى محو الأمية، التربية الصحية، التكوين المهني الوعي بحقوق المرأة الحقوقية، مناهضة التعنيف، التربية على المواطنة…
إنها أهدافا كونية حداثية في غايتها إلا أنها تبقى تجتر ما هو سائدا وما هو جاهزا على المستوى الوطني وعلى مستوى المواثيق الدولية باعتبارها حلولا سحرية. فاشتغال الجمعيات النسائية بالريف يغيب فيها الجانب الهوياتي والبعد المحلي وتبقى تشتغل بمنأى فهم ودراسة طبيعة وواقع المرأة الريفية ضمن تطورات المجتمع الريفي وثقافته وقيمه عوض الانخراط في سيرورة تحديث المرأة الريفية من الداخل.
كما أن الرجل الريفي أصبح ينظر إلى هذا العمل النسائي بمنظار الربى حيث أصبح يعتقد بأنها بمثابة عدو له تحيط له مكائد قصد النيل من “كرامته” وانتزاع سلطته.
الخطاب السلفي
فالخطاب ” الحداثي” الذي عمل على إخراج المرأة من جدران المنازل إلى الشارع والمؤسسات بدون مقدمات وبدون تحضير الشروط اللآزمة لذلك وتهييء العقليات يكون بهذا قد عقد من وضعية المرأة الريفية حيث صورة الرجل الريفي فيما يخص المرأة الريفية التي اصبحت تتقاسم معه رويدا رويدا مجالات العمل خارج البيت والمجال العمومي تختزل عنده فقط في الجسد والرغبة ليس إلا.
في المقابل وضدا على الخطاب “الحداثي” بدأ الخطاب الإسلاموي يتبلو كخطاب مضاد للخطاب الحداثي وشرع في تأثيث سلوك المرأة بصفة خاصة والمرأة خارج البيت بصفة عامة بشكل كاريكاتوري لا صلة له لا بقيم الريف التقليدية ولا بقيم الغرب، أصبح هذا الخطاب المتغلغل ينتج لنا بالريف امرأة غريبة عن مجتمعها غارقة في تلابيب شرقية ذات صورة غريبة في المجال العمومي وغريبة عن أهلها وذويها وغريبة عن وسطها. اكتسح الخطاب الإسلاموي الحواضر والبوادي الريفية ويرى في تقاليد الريف وعوائده وثقافته التي ترجع لآلاف السنين مجرد ضرب من الجاهلية. إنه الاستلاب والاغتراب المطلق للمرأة.

الخطاب الأمازيغي
خطاب جديد ينشد التحرر والحداثة والانفتاح وتكريس الهوية الأمازيغية وتحرير المرأة الأمازيغية من الإديولوجية الإسلاموية المغلقة ومن الإيديولوجية ” العروبية ” الشرقانية وجعلها امرأة منتجة للقيم الرمزية موازاة مع الرجل انطلاقا من خصوصيتها الثقافية.
الخطاب الأمازيغي بقي إلى حد اليوم حبيس القاعات والندوات وبقي تأثيره ضعيفا إلى حد ما بخصوص تحرر المرأة الأمازيغية والريفية على الخصوص ولا زال يواجه عقبات من مختلف الخطابات السالفة الذكر تحول دون فرض ذاته.

حراك الريف / صرخة المرأة الريفية المدوية
تميز اندلاع حراك الريف بانضمام العنصر النسوي إلى هذا الاحتجاج الاجتماعي ومنحت له دينامية خاصة.
حراك الريف الشبابي انطلق خارج التنظيمات والجمعيات والأحزاب السياسية. اتخذ مسارا شعبيا حرك المدن والبلدات البادية.
كانت تظاهرة اليوم العالمي للنساء سنة 2017 بالحسيمة جد متميزة. استطاع الحراك أن يعبأ ما يزيد عن ألف امرأة خرجت في مسيرة حاشدة لتجوب شوارع المدينة خارج إطار المنظمات النسائية المدنية..
لم ترفع نساء الريف خلال هذه المسيرة الحاشدة شعارات المجتمع المدني النسائي.
ضربن الشعارات النمطية التي تتحدث عن المرأة عرض الحائط لتنخرطن في المعركة المصيرية، معركة المطالبة بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، ورفع الحصار والتهميش والعسكرة عن منطقة الريف وللمطالبة بحق الريف في التنمية الحقيقية. خلال فترة الحراك:
– خاطبن الجماهير والمسؤولين من منصات الحراك؛
– رفعن شعارات قوية خلال وقفات ومسيرات الحراك؛
– خرجن في مسيرات نسائية بالحسيمة وبآيث حذيفة بإمزورن وبالبوادي مثل تماسينت وبني عبدالله وتلارواق؛
– خرجن بكثافة مع الرجل خلال يوم الخميس الأسود (20 يوليوز 2017) وتعرضن للتنكيل والإغماء والتعنيف؛
– تعرضن بدورها للاستنطاقات بمراكز الشرطة وللمحاكمات والاعتقالات والتعنيف الجسدي واللفظي وللسجون جنبا إلى جنب مع شقيقهن الرجل؛
– أحيين الزغرودة الريفية التي تستنهض الهمم؛
– قدمن الإسعافات السريعة للمحتجين المعنفين وفتحن لهم باب منازلهن وآوين المشاركين والمشاركات المغاربة الذين قدموا من خارج المدينة للمشاركة والتضامن مع الريف؛
– وبالمقابل استطعن أن يجلبن تضامن الريفيات المقيمات ببلاد أوروبا ليتضامنّ معهن ومع قضية الريف وخرجن بدورهن لأول مرة من منازلهن ليشاركم الذكور في مسيرات تجوب عواصم أوروبا وظهرت فيهن ناشطات يخاطبن بلغات الغرب ويوصلن قضية الريف إلى المؤسسات الدولية والإعلام الغربي.
فحين تصل الحـﮔرة والظلم الاجتماعي المدى، تهب المرأة الريفية من حيث لا تدري لتكسر كل القيود والطابوهات الاجتماعية، لتقف شامخة منتصبة القامة أمام الظلم والعدوان، إنها تعبير عن صرخة الريف الصادقة، صرخة الوعي التاريخي، صرخة الذاكرة الجمعية، صرخة من أجل تغيير الواقع المعاش، صرخة من أجل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. صرخة أتت من الأعماق بشكل تلقائي لفتت انتباه العالم وجعلت الرجل الريفي يقف وينحني لها إجلالا ويحييها من حيث لا يشعر بشعار:
” تحية نضالية للمرأة الريفية”.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق