عزيزي القاريء،
في خضم الحديث الدي لا ينقطع حول العلاقات الدولية والروابط الاقتصادية التي تجمع بين الدول، ننسى غالباً أن واحدة من أجمل طرق الاتصال بين البلدان، ألا وهي الثقافة. فاسمحوا لي أن آخذكم في رحلة عبر الزمن والمكان لاستكشاف الرابط المثير بين المغرب وأمريكا اللاتينية، وهما منطقتان تبدوان بعيدتين، ولكنهما في الواقع متقاربتان بسحر الثقافة.
يمكن أن تكون الروابط بين المغرب وأمريكا اللاتينية عميقة جداً، ربما أعمق مما يمكن للكثيرين أن يتصوروا. من النظرة الأولى، قد أن تبدو هاتان المنطقتان وكأنها عوالم مختلفة تماماً، مفصولة عن بعضهما بآلاف الكيلومترات من المحيط، ولكن عند التعمق في تاريخ وثقافة كلتا المنطقتين، يتبين وجود روابط ساحرة تم نسجها عبر القرون.
سوق بمراكش
أحد أبرز جوانب هذا الاتصال الثقافي هو التأثير العربي على أمريكا اللاتينية. فخلال فترة الاستعمار والاستيطان الإسباني، لعب العرب دوراً أساسياً في حياة شبه الجزيرة الإيبيرية. وقد انتقل إرثهم إلى أمريكا اللاتينية من خلال المستعمرين، ما ترك في تلك المنطقة آثاراً عميقة في العمارة والموسيقى والمأكولات واللغة. وجود كلمات ذات أصل عربي في الإسبانية اللاتينية، مثل « alcázar»(القصر) و « azúcar » (السكر)، يعتبر شهادة حية لهذا التراث المشترك (هناك حوالي أربعة آلاف كلمة من أصل عربي في اللغة الإسبانية.
نذكّر أنفسنا بأننا في النهاية مواطنون في عالم متعدد الثقافات، حيث تكون اختلافاتنا الثقافية مصدرًا للثراء والإثراء المتبادل.
الموسيقى أيضاً كانت جسراً ثقافياً بين المغرب وأمريكا اللاتينية. يمكن سماع تأثير الموسيقى الأفريقية والعربية بوضوح في إيقاعات وألحان الموسيقى اللاتينية. وقد وجد التراث الموسيقي والطربي والفني للمغرب، التي تشمل الصوت الساحر للعود وأصوات مغني الكناوة، صدى في موسيقى الفلامنكو والتأثيرات العربية في الموسيقى الكاريبية.
الطعام مجال آخر لتداخل الثقافات. المغرب وأمريكا اللاتينية معروفتان بأطباقهما اللذيذة والعطرة. البهارات والنكهات الغنية وأساليب الطهي المشتركة أدت إلى نشوء تواصل فريد في مناطق مثل شمال إفريقيا وأمريكا الجنوبية. مثلاً، يمكن رؤية استخدام الكمون في المأكولات المغربية ووجوده في أطباق أمريكا اللاتينية مثل التاماليس los tamales.
ساحة بمدينة بونوس أيرس في الأرجنتين
الرابطة الثقافية بين المغرب وأمريكا اللاتينية تظهر أيضاً في الأدب والفن. أعرب كتّاب مثل خورخي لويس بورخيس عن إعجابهم بالأدب العربي، ووجد الفنانون من أمريكا اللاتينية إلهاماً في العمارة والحرف اليدوية المغربية. هذا التفاعل الفني أسفر عن أعمال رائعة تستكشف الهوية والتنوع الثقافي.
في الختام، العلاقة بين المغرب وأمريكا اللاتينية أعمق بكثير مما نعتقد عند النظرة الأولى. من خلال الموسيقى والطهي والأدب والفن، تشابكت هاتان المنطقتان عبر القرون. هذه الرابطة الثقافية تشهد على غنى وتنوع العالم الذي نعيش فيه، وتذكّرنا بأنه، وعلى الرغم من البحار التي تفصلنا، فإن إنسانيتنا المشتركة وتعبيراتنا الثقافية يمكن أن تجمعنا بطرق مذهلة.
آمل أن تكون هذه الرحلة القصيرة عبر الثقافة قد سمح لكم بفهم جمال الرابط بين المغرب وأمريكا اللاتينية. من خلال استكشاف هذه التشابهات الثقافية، نذكر أنفسنا بأننا في النهاية مواطنون في عالم متعدد الثقافات، حيث تكون اختلافاتنا الثقافية مصدرًا للثراء والإثراء المتبادل.
بكل محبة من الحسيمة (المغرب)
فكري سوسان