قاضي قدور والمسألة الأمازيغية – 4

11 أغسطس 2024
قاضي قدور ـ قيس مرزوق الورياشي
قاضي قدور ـ قيس مرزوق الورياشي

“ضرورة إيجاد معهد للأمازيغية وفتح شُعب لتدريسها بالجامعات المغربية مع تاجيل الحسم في مسألة الخط، درءا لكل زيغان عاطفي أو سياسي وإيديولوجي غير مبرر علميا”

هناك في مغرب اليوم جمعيات ثقافية تهتم بموضوع الأمازيغية وجزء كبير منها تلح على الكتابة بتيفيناغ، كيف ترون هذه المسألة؟ هل لا زالت تيفيناغ صالحة للكتابة أم أن الأمر سيقتصر على الخط العربي واللاتيني دون غيرهما؟

أكيد أن هذه المسألة يكتنفها نوع من الضبابية والخلط، بحيث إن الكتابات الموجودة حاليا ثلاثة أصناف: خط تيفيناغ  والعربي واللاتيني. فخط تيفيناغ المرتبط بالخط الأصلي المنتشر بشمال إفريقيا (بعد أن أضيفت إليه بعض التغييرات سنة 1967 ـ 1968  من طرف الأكاديمية الأمازيغية بباريز  والتي كان وراءها مجموعة من السياسيين القبائليين الجزائريين الذين كان حضورهم قويا في صراعهم السياسي مع الحركة الوطنية) قد لقي (خط ثيفيناغ) صدى واسعا لدى شباب القبائل سواء في الجزائر أو في فرنسا … كما دخل  إلى المغرب عبر مجموعة من شبابنا المتعلم. وهنا من الضروري الإشارة إلى أن مجلة “أمازيغ” التي أسست بداية الثمانينات وبالتحديد 1980، ساهمت بشكل واضح في انتشار هذه الكتابة في المغرب، كما أن بعض المنتمين لهذه المجلة ومعهم بعض المحسوبين على حزب الحركة الشعبية هيؤوا آلة كاتبة بتيفيناغ … مما يجعلني أقول وأكرر بأن هذه الممارسات متعددة ومتباينة. لذلك نجد اليوم بالمغرب مجموعة عناوين وأسماء جرائد ومجلات تُكتب بحروف ثيفيناغ.

غير أن هذه الإشكالية تستوجب إيجاد مؤسسة أو معهد متخصص في مسألة اللغة والكتابة لضبط القواعد النحوية والصرفية، سيكون تتويجا لحوار معمق وموسع بين القوى الوطنية السياسية والثقافية، لأن مسألة الخط هي جزء من المشكل الأكبر الذي يستوجب البحث والدراسة والتمحيص. لذلك ينبغي فتح حوار وطني يمهد لتأسيس هذا المعهد الذي سيهتم بالتخطيط اللغوي وبوضع سياسة لغوية مبنية على أسس موضوعية نظرا للتعدد اللغوي والثقافي الذي يعرفه المغرب.

فهذه المؤسسة التي ستشرف على إيجاد الحل المناسب للتعدد اللغوي والثقافي، هي مؤسسة من الأهمية بمكان ستقوم بمهام وطنية استراتيجية ويكون من بين أهدافها حل المعضلة اللغوية والثقافية بالمغرب بمشاركة كل الأطراف المفترض مساهمتها إيجابا في حل هذا المشكل. وإزاء هذا، سأحاول، ما أمكن، التقرب من سؤالك، ولو من الجانب النظري، لنتساءل عن مغزى هذه الضرورة الملحة في تأسيس معهد للدراسات والبحث خاص بالأمازيغية؟ ذلك أنه لو وجد هذا المعهد في سنة 1979 كما كان منتظرا،  لكنا قد ذهبنا إلى أبعد الحدود، بعدما وقع اتفاق حول ذلك في ذات السنة، من طرف كل الأحزاب الممثلة في البرلمان. لكن هذا المشروع سرعان ما أقبر في لجنة التعليم! ومنذ ذلك الحين ظل مغيبا ولم يخرج إلى حيز الوجود، لتستمر الأمور على حالها إلى يومنا هذا.

قاضي قدور ـ المصدر: محمد الزياني

وبعد خطاب 20 غشت 1994 ـ الذي يعتبر من الناحية السياسية مهما جدا، لأنه أعطى، على الأقل، المشروعية للقضية الأمازيغية، معتبرا الثقافة الأمازيغية ضمن الهوية المغربية، ومع ذلك يبقى التطبيق هو المطروح؛ أي إيجاد معهد وتوفير وسائل مادية وبشرية للعمل وفتح شُعب لتدريس الأمازيغية في كل كليات الآداب والجامعات المغربية كما هو الحال بالنسبة لشُعب الألمانية والإنجليزية والفرنسية ..إلخ. وهذه هي المراحل الأولى التي أرى شخصيا، ضرورة الانطلاق فيها، من الأعلى نحو القاعدة. فهذا المعهد، الذي نطرح أهمية تأسيسه ، عليه الشروع في عمله منذ الآن، حتى نستشف فعليا البعد الإيجابي لهذا الخطاب السياسي لـ 20 غشت 1994؛ أي ضرورة المرور من مستوى الخطاب إلى المستوى العملي والتطبيقي فيما يخدم مباشرة الأمازيغية. إنه المعهد الذي سيمكن من إعطاء التصورات الأولية لإيجاد حلول مواتية لمسألة الخط، وهذا الأمر يندرج ضمن ما يسمى بالتقعيد اللغوي أو التنميط اللغوي الذي يتضمن مستويات ثلاثة كما ذكرت:

  1. الخط
  2. المعجم
  3. النحو

فقضية الخط من وجهة نظري، علينا تأجيلها وألا نستعجل الحديث عنها، ذلك أن اختياره الآن قد يغلب عليه الجانب العاطفي أو السياسي وإلإيديولوجي الغير مبرر علميا. لذلك أؤكد أنه من الضروري المرور، أولا،  بمرحلة التحليل والدراسة في إطار هذا المعهد الذي ينبغي أن يوجد بالمغرب..

( يتبع)

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق