محمد أمزيان: ثمن زيارة الوطن

8 يناير 2024آخر تحديث :
محمد أمزيان: ثمن زيارة الوطن

مَن مِن المهاجرين المغاربة لا يتمنى زيارة الوطن ولو مرة واحدة في السنة على الأقل؟

يا لها من أمنية “غالية”!

ذكر لي صديق، وعلامات الحسرة بادية من نبرات صوته: “زرت البرتغال قبل أسبوعين في طريقي إلى المغرب. وكان لدي أخ يقيم في إسبانيا أيضا. استأجرت سيارة جديدة تحمل علامة تجارية يتمنى أي واحد ركوبها. كل ذلك بثمن لا يتعدى 11 يورو في اليوم (24 ساعة). قضيت ما تيسر من إجازتي في إسبانيا مع أخي، ثم عبرت البحر لزيارة أهلي في الريف. استأجرت سيارة بلغت من العمر عتيا، ولكن الصدمة الكبرى جاءت من سعر الاستخدام: 30 يورو في اليوم، وفي فترة لا تعرف إقبال السياح كما هو الحال في الصيف”.

ليست هذه التجربة وحيدة في نوعها. فالأسعار في المغرب لا تطاق، سواء تلك المتعلقة بالمعيشة: الأكل والشرب، أو الخدمات: النقل والفندقة وما إلى ذلك. أتفهم أن الأسعار تخضع لقوانين اقتصادية عالمية معقدة. فالحرب في أوكرانيا أشعلت فتيل المنتجات الزراعية والصناعية والطاقية. أتفهم كذلك أن تاجر التقسيط، وخاصة في المغرب، يخضع لقوانين تجار الجملة الذين يمارسون رياضة الاحتكار بحرفية عالية. أتفهم أن بعض المناطق في المغرب، ومنها منطقة الريف الأوسط على وجه التحديد، لا تنتج ما يكفيها للاستهلاك المحلي وبالأحرى توفير متطلبات زوارها، وهم في غالبيتهم العظمى من أبنائها المهاجرين. ولكن ما لا أتفهمه، ولست مستعدا لأن أتفهمه، هو ذلك السُّعار الذي يصيب التجار وأصحاب الخدمات وهم يعرضون بضاعتهم على المستهلكين. لا يمكن أن يوصف هذا السلوك إلا بكونه سلوك اللصوص.

يضاف إلى كل هذا، أن المصالح الرسمية المكلفة بالمراقبة والمحاسبة، لا تعير لهذه الظاهرة المشينة بسمعة البلد ككل اهتماما يليق بتطلعات بلادنا في أن تكون قبلة للسياحة، تنافس القبلات السياحية المعروفة كإسبانيا والبرتغال وتركيا واليونان على سبيل المثال. لماذا هذا التقصير الفاضح من المصالح الرسمية؟ لا أملك أي جواب، ولا أريد أن أدخل في ذلك السجال الذي نسمعه عادة: “مراقب الأسعار يحتاج لمن يراقبه. ومراقب المراقب يحتاج أيضا لمن يراقبه”!!

قبل يومين قال لي ابني الذي صار في عمر يمكنه من السفر لوحده: “كثير من أصدقائي يفضلون زيارة تركيا بدل المغرب”!! والسبب: الارتفاع الاعتباطي في الأسعار!

لكي تصبح بلادنا فعلا قبلة (بديلة) للسياح، تحتاج لأكثر من لازمة “الأمن والاستقرار”. فالبلدان المنافسة للمغرب في هذا المجال، مثل الجارة إسبانيا والبرتغال واليونان، هي أكثر أمانا واستقرارا. القضية إذن تستدعي أكثر من لازمة الأمن والأمان وحدهما.

أنا لا أتحدث هنا عن الأسعار المعتمدة في بعض الأماكن المصنفة. فحينما يختار المستهلك المبيت في فندق مصنف، أو يكتري “فيلا” مفروشة قرب البحر ثم يذهب للتسوق من محلات بعلامات تجارية معينة، فذاك اختياره حسب قدراته وإمكانياته المالية. إنما أتحدث عن المستوى المتوسط والأقل من المتوسط، كأن تتوقف على الطريق لأخذ قسط من الراحة في مقهى/مطعم متهالك بلا حمام لقضاء الحاجة البيولوجية الطبيعية، ولا مكان نظيف لغسل اليدين، يقدم لك أكلات شعبية عادية جذا أو مشويات “عارية” في صحون مهترئة أو صحون بلاستيكية، ثم يقصفك في النهاية بمبلغ خيالي لا محل له من الإعراب. هل هذا يخدم السياحة؟ المغرب من أجمل بلدان العالم. هذا صحيح، ولكن لا دخل للإنسان في صناعة هذا الجمال، لأن جمال الطبيعة هبة من الله. والسؤال الحقيقي هو: ماذا فعل التاجر والمسؤول والإنسان المغربي بهذه الطبيعة؟

هذا ما يستوجب التفكير فيه جديا، وتدارك هذه العشوائية المشينة لو أردنا حقا تقديم بلدنا كواحد من أجمل بلدان العالم.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق